للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[(٢) استكمال اللغة]

وسواء على اللغوي أكان أميل إلى التوقيف أم الاصطلاح، فقد كان يشعر بأن اللغة لم توضع مرةً واحدة، وأنها قد تَلاحَق تابعٌ منها بفارط، ليس بمعنى التطور الذي ندركه اليوم (فالحق أن مفهوم اللغة عندهم ما زال يتمتع بكمالٍ مرحليٍّ معين) ولكن بمعنًى آخر مقيد أيضًا بالتوقيف الإلهي أو بوضع الواضع الأول! يذهب ابن فارس مثلًا إلى أن الله وقف آدم على ما شاء أن يُعلمه إياه مما احتاج إلى علمه في زمانه، ثم علم آخرين من عرب الأنبياء ما شاء أن يعلمهم، حتى انتهى الأمر إلى خاتم الرسل فلا نعلم لغةً من بعده حدثت. ويميل ابن جني إلى أن استكمال اللغة مقيدٌ بوضع الواضع الأول، الذي لا يخالف عليه من بعده، وأن خلاف من بعده ليس إلا أثرًا لمتابعة المتأخر للمتقدم: ذلك أن الواضع الأول توقَّع حاجات الخلف بحكمةٍ استقبلت من أمر الحياة ما استدبر، (١) وتعرفت المستقبل فوضعت القياس الذي يأخذ به الخالف حين يحتاج إلى الزيادة في اللغة أو يضطر إلى مخالفة الواضع الأول! (٢)

[(٢ - ١) كمال اللغة ورأي ابن حزم]

«العربية خير اللغات» يقول العربي … «اليونانية أفضل اللغات» يقول جالينوس … «العبرية لغة الرب، والملائكة لا يفهمون غير العبرية» يقول اليهود … «السريانية لغة الحساب في الآخرة ولغة أهل الجنة» يقول السريان … «الفارسية لغة الجنة» يقول الفرس … «أنا الحق وكل ما سواي الباطل» يقول «العرق» Ethnos! لاحظ أن بعض اللغات المذكورة لم يدم في الحياة لكي يلحق بالآخرة!


(١) مصداقًا لقول الشاعر:
رأى الأمر يُفضي إلى آخرٍ … فصيَّر آخره أوَّلا
(٢) أمين الخولي: مشكلات حياتنا اللغوية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ١٩٨٧، ص ٣٨.

<<  <   >  >>