للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[(٦) وصفة للإصلاح اللغوي]

قلت: إنَّ مقال «دفاع عن اللُّغة المحكية» يفتح لنا طريق الإصلاح اللغوي الواقعي، فليأذن لي الدكتور سليمان أن أنطلق من مقاله إلى ما أظنه الإصلاح الحقيقي الحصيف. تتلخص وصفتي في كلمة واحدة: «الاستعمال»، فإن استزدتَني قلت «والاستعمال»، فما الخطب؟

اللغة، جوهريًّا Ultimately، استعمال، مَنشأُ اللغة الاستعمال، واستواء اللغة بالاستعمال، وتطور اللغة في الاستعمال، تموت اللغة حين تهجر اللسان، نحن لا نستعمل العربية، وبمنطق «النبوءة المحققة لذاتها» Self-Fulfilling Prophecy فإننا نهملها فتذبل، ونستصعبها فتصعب، ونجفوها فتشحب وتنسحب، ولا يزال الناعي الكاذب ينعب حتى يصدق نعيه!

ثمة أشياء في الحياة، كاللغة (والديمقراطية، والحرية، والتعريب)، تأتي إلى الوجود مثل «درب هيدجر» الذي «يُخَط لا من أجل السير وإنما بفِعْله»! إنه طريقٌ تَعبِّده الأقدام نفسها، ومن ثم فلا وجه ولا مبرر ولا معنى لتسويف السير، (١) لا بديل لنا عن «السعي اللغوي»، أو «الكدح اللغوي»: أن نضع لغتنا على ألسنتنا، أن نستعمل لغتنا في كل مناشط الحياة، أن نعرِّب العلم ونوطِّنه في لغتنا، (٢) فلا نكون عالة على غيرنا في القول؛ أن نلاحق كل جديد بالترجمة والتعريب، وأن نعجِّل بذلك ولا نتمهله (في التأني اللغوي الندامة كما يقول العفيف الأخضر) والأهم بعد ذلك أن نستعمل هذا المعرب والمترجم ونلح في استعماله حتى يهذبه الإلف ويصقله وينفي عنه النَّبْوة المعهودة في كل طارف مستجد، فنستسيغه، ولا نعود نستوحشه وننفر منه (ذائقتك على ما عودتها)، ستقابلنا النتوءات والعقبات، ولن نعدم حلولًا، سنشق الطريق بالسير نفسه، ونستخلص الدواء من الداء.


(١) عادل مصطفى: فصل «فقه الديمقراطية»، في كتاب «صوت الأعماق»، دار النهضة العربية، بيروت، ٢٠٠٤.
(٢) يقول شبلي شميل في «المجموعة، ج ١» إن اللغة «تحيا بحياة الأمم، وحياة الأمم إنما تكون بعلومها وصناعاتها … ومن يوم تحول علم الطب في مدارس مصر وسورية إلى الإنجليزية والفرنسية فقدت العربية أقوى أركانها العملية، حتى صار من الصعب عليها جدًّا اللحاق بالعلوم الطبيعية في سيرها السريع.»

<<  <   >  >>