للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقوم به متكلم اللغة، من حيث الإنتاج اللغوي، فينمُّ الاستعمال اللغوي عن حاجة ثابتة إلى الاختصار اللغوي والدقة في التعابير والتناسب المنطقي في التركيب (١)

[(١ - ٢) مبدأ القياس]

القياس هو أهم الآليات الضالعة في إحداث التغيرات اللغوية، ويعني «القياس» Analogy في اللغة ارتجال ما لم نسمعه قياسًا على ما سمعناه، أو ابتكار كلمة أو تصريف من عندنا بالقياس على ما لدينا من كلمات أو تصريفات تشبهه، ويدخل القياس ضمن مبدأ «الاقتصاد» في المجهود وتخفيف العبء على الذاكرة، من خلال الحمل على الشائع المطرد وإقصاء الصيغ النادرة الشاذة وإعادة صياغتها على القاعدة المطردة؛ فتزول الاختلافات وتتوحد الظاهرة ويجري المختلف مجرى المؤتلف Leveling.

مثال ذلك أن الأفعال الشاذة الأنجلو سكسونية قد خضعت لتأثير القياس على المطرد في الألف سنة الماضية، من ذلك أن الفعل (Help) Helpen كان يُصَرَّف إلى الماضي healp والتصريف الثالث Holpen، ولكن بحلول القرن الرابع عشر كان هذا الفعل منتظمًا على القاعدة المطردة للأفعال الإنجليزية (Help، Helped، Helped)، وفي الحقبة الإنجليزية الوسيطة المبكرة تم انتظام أكثر من أربعين فعلًا بنفس الطريقة (شاملةً) Walk، Climb، Burn & Step، على أن عوامل اجتماعية من قبيل نشأة اللغة القياسية وتطور الطباعة قد أبطأت من عملية التغير؛ ولذا فما زالت الإنجليزية الحديثة اليوم تضم الكثير من الأفعال الشاذة، وإن كنا نصادف القياس وهو يعمل عمله عندما نسمع الناس تستخدم «القياس الخاطئ» False analogy في مثل كلمة Knowed، وعندما نسمع الأطفال وهم يتعلمون اللغة يجربون صيغة مثل Goned … إلخ. (٢)


(١) الإسبرانتو هي أشهر اللغات العالمية الاصطناعية، دفع بها عام ١٨٨٧ العالم الروسي الدكتور لازاروس زامنهوف وطوَّرها من بعده الكثيرون، وقد راجت كثيرًا كلغةٍ عالمية وخُصِّصتْ لها المجلات وبرامج الإذاعة، ودُرِّست في عدد من المدارس والجامعات واستُعملتْ في المؤتمرات والندوات العلمية. والإسبرانتو ليست لغة طبيعية ولكنها ليست أيضًا لغةً صناعية بالمعنى الدقيق؛ لأنها قائمة على قواعد منتقاة من اللغات الأوروبية، وهي لغة شديدة التبسيط وسهلة التعليم للغاية إذ تحتوي على أقل ما يمكن من القواعد النحوية (ست عشرة قاعدة) ومن المفردات الأساسية وقواعد الاشتقاق المنتظم التي تساعد على صياغة أعداد كبيرة من المفردات الأخرى. ومع كل هذه التسهيلات فقد أفل نجمها بعد سطوعه في بدايات القرن العشرين وحتى الخمسينيات والستينيات منه؛ وذلك لأسباب ليس أقلها أنها لا تعبر عن حضارة أمة بعينها ونبض عيشها الخاص وأفق رؤيتها، وأن لغات الدول العظمى المسيطرة تكتسب ضغطها ورواجها من قوة أهلها وسيطرتهم على الغير في جميع المجالات، وأن اللغة المصطنعة لا بد أن يطرأ عليها من التغيرات ما يطرأ على اللغات الطبيعية من جيل إلى جيل، وأن اللغة المشتركة لا تضمن الوفاق وتحصن ضد الشقاق، ولم تكن يومًا مانعًا من الحروب والصراعات.
(٢) دي سوسير، علم اللغة العام، ص ٩٤ - ٩٥، وواضح أن الزمن قد حقق تنبؤ دي سوسير وأكثر.

<<  <   >  >>