للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ليس يكسبنا أن نتكلم كما تكلمت العرب، وإنما يستخرج منه حكمتها في الأصول التي وضعتها.

ويتساءل د. محمد عيد في «أصول النحو العربي»: «لكن … أحقًّا كان النحاة للأولى أكثر استعمالًا وأشد تداولًا - كما يقول الدينوري - أم أنها، بفعل الصنعة، قد فقدت سماتها، ووسمت بالصفة الثانية، فغلب عليها الجدل والنظر؟ إن كتب النحو المتأخرة اختفت فيها العلل التي عُرف بها كلام العرب تحت ركامٍ هائل من المجادلات والمساجلات في العلل.» (١)

[(٤ - ٢) اعتراضات ابن مضاء]

كان ابن مضاء هو أول (وآخر!) من صرح بوضوحٍ تام بضرورة سقوط هذا النوع من العلل من النحو. يقول ابن مضاء في «الرد على النحاة»: «ومما يجب أن يسقط من النحو العلل الثواني والثوالث، وذلك مثل سؤال السائل عن «زيد» من قولنا «قام زيدٌ» لم رفع؟ فيقال لأنه فاعل، وكل فاعل مرفوع، فيقول ولم رفع الفاعل؟ فالصواب أن يقال له: كذا نطقت به العرب، ثبت ذلك بالاستقراء من الكلام المتواتر، ولا فرق بين ذلك وبين من عرف أن شيئًا ما حرام بالنص، ولا يحتاج فيه إلى استنباط علة، لينقل حكمه على غيره، فسأل لم حرم؟ فالجواب على ذلك غير واجب على الفقيه، ولو أجبت السائل عن سؤاله بأن تقول له: للفرق بين الفاعل والمفعول فلم يقنعه، وقال: فلم لم تعكس القضية بنصب الفاعل ورفع المفعول؟ قلنا له: لأن الفاعل قليل لأنه لا يكون للفعل إلا فاعل واحد، والمفعولات كثيرة، فأعطي الأثقل، الذي هو الرفع، للفاعل، وأعطي الأخف، الذي هو النصب، للمفعول؛ لأن الفاعل واحد والمفعولات كثيرة، ليقلَّ في كلامهم ما يستثقلون، ويكثر في كلامهم ما يستخفون، فلا يزيدنا ذلك علمًا بأن الفاعل مرفوع، ولو جهلنا ذلك لم يضرنا جهله، إذ قد صح عندنا رفع الفاعل الذي هو مطلوبنا، باستقراء المتواتر، الذي يوقع العلم.» (٢)


(١) أصول النحو العربي، ص ١٢٢ - ١٢٣.
(٢) أحمد بن عبد الرحمن بن مضاء القرطبي: الرد على النحاة، تحقيق: د. شوقي ضيف، دار المعارف، القاهرة، ١٩٨٢، ص ١٣١.

<<  <   >  >>