للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(٦) العَروض

العربية لغةٌ عَروضية: «فالتركيب الموسيقي أصلٌ من أصول هذه اللغة لا ينفصل عن تقسيم مخارجها، ولا عن تقسيم أبواب الكلمات فيها، ولا عن دلالة الحركات على معانيها ومبانيها بالإعراب أو بالاشتقاق.» (١) وهذا ما يسَّر النظم لأصحاب السليقة الشعرية من العرب منذ أقدم عصور الجاهلية. كان الشاعر الجاهلي ينظم الشعر في مختلف بحوره بغير علم بهذه البحور، ثم جاء الخليل بن أحمد فاستخلص الوزن الموسيقيَّ الكامن في هذا الشعر، وقعَّد له قواعده وأحصى بحوره، فإذا نحن بإزاء موازين دقيقةٍ دقةً رياضية، لا تقل عن دقة الموسيقى الخالصة ومقاماتها وإيقاعاتها وسُلَّمها، «لا حاجة بالشعر العربي إلى إيقاع الرقص الذي يصاحب إنشاد الشعر في اللغات الأخرى؛ لأن أشعار تلك اللغات تستعير الحركة المنتظمة من دقات الأقدام وحركات الأجسام في حلقات الرقص أو اللعب المنسق على حسب خطوات الإقبال والإدبار والدوران، ولا حاجة بالشعر العربي إلى ملازمة الإيقاع المستعار من الرقص واللعب؛ لأن أوزانه مستقلة بإيقاعها الذي يميز أقسامها وحدودها ويُغْنيها عن الأقسام والحدود الأخرى، ولا حاجة بالشعر العربي إلى مصاحبة الغناء لترتيب أوقاته (أزمنته) وضبط مواقع المد والسكون في كلماته؛ لأنه مرتب مضبوط في كل كلمة، بل في كل جزء من أجزاء الكلمة، ويجمع بين الحركة والسكون، وما من وزن على وضع من الأوضاع لا تضبطه حركة الشعر المسموع بغير حاجة إلى الغناء.» (٢)

وأبلغ من كل ما تقدم في الإبانة عن معدن اللغة العربية وعن هذه الخاصة الفنية فيها أن أوزانها تتفق في كل ترتيل فصيح، ولو لم يكن شعرًا مقصودًا، كما اتفقت في الآيات الكثيرة من القرآن الكريم، رغم أن القرآن ليس شعرًا وما هو بقول شاعر:

مما يوافق وزن البحر الطويل: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ}، {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}.

ومما يوافق وزن الكامل: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا}، {وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ}.


(١) اللغة الشاعرة، ص ٢٢.
(٢) اللغة الشاعرة، ص ٢١ - ٢٢.

<<  <   >  >>