للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أو استدراكات، أو يحكم على تلك المظاهر المنفردة في لغة الشعر بالندرة أو الشذوذ، أو يحدث الطعن في هذه النصوص نفسها بعدم الثقة في روايتها أو متنها.» (١)

[(٢) خرافة الضرورة الشعرية]

ليست الضرائر في الشعر رُخصًا بل عزائم!

وجد النحاة بعض الشواهد الشعرية لا تخضع لقواعدهم التي أسسوها، ففسروا ذلك بأن الشاعر قد اضطر، غير باغٍ ولا عادٍ، إلى مخالفة الاطراد النحوي السائد حتى يسلم له الوزن، وأسموا هذا المسلك ب «الضرورة»، مستعيرين اللفظة من الفقه، وقسموا هذه الخروجات الشاذة بحسب درجة تواترها إلى ضروراتٍ مباحة لا بأس بها (مثل صرف الممنوع وقصر الممدود ومد المقصور)، وأخرى قبيحة يجمل بالشاعر اجتنابها ما استطاع (مثل منع المنصرف والعدول بالكلمة عن أصل وضعها)، (٢)

وما كان أغناهم عن مثل هذا، كما يقول د. إبراهيم أنيس لو أنهم بحثوا الشعر وحده وخصُّوه ببعض الأحكام التي تُترك للشعراء وحدهم، باعتبارها من خصائص لغة الشعر، بدلًا من أن يصموا الشعر العربي بهذه الوصمة التي عطلت الفهم الأسلوبي للشعر قرونًا عديدة.

ولعل ابن جني (ت ٣٩٢ هـ) هو أول من التفت إلى أن ما يسمى بالضرورة الشعرية قد تكون اختيارًا لا اضطرار فيه البتة، يقول ابن جني: «فإن العرب تفعل ذلك تأنيسًا لك بإجازة الوجه الأضعف؛ لتصح به طريقُك، ويرحُب به خناقك إذا لم تجد وجهًا غيره،


(١) المستوى اللغوي، ص ١٥٦ - ١٥٧.
(٢) الضرورات ثلاثة أنواع:
ضرورات بالحذف: مثل قصر الممدود، وترخيم غير المنادى، ومنع المنصرف، وحذف نون «لكن»، وحذف نون «اللذان»، وحذف مجزوم «لم».
ضرورات بالزيادة: مثل مد المقصور، وصرف الممنوع، وتنوين المنادى المبني، وردِّ النون التي يجب حذفها للإضافة، ورد النون في الأفعال الخمسة مع سبقها بأن الناصبة، وزيادة حرف المد بعد الحركة القصيرة، وزيادة «أل» في التمييز.

ضرورات بالتغيير: مثل قطع همزة الوصل، ووصل همزة القطع، وتقديم المعطوف على المعطوف عليه، وفك واجب الإدغام. (انظر «في علمي العروض والقافية» للدكتور أمين علي السيد، دار المعارف، ط ٥، ١٩٩٩، ٢٥٠ - ٢٥٤).

<<  <   >  >>