للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفصل السابع

ازدواجيتنا اللغوية «العامية والفصحى»

ليس لهذه الأدواء القومية التي تمتص من مصر حيويتها، من علة إلا هذه اللغة المتآكلة التي لا تساير مطالب الجماعة الناهضة.

محمد العلاني

مقدمة «فن القول» لأمين الخولي

كتب الأستاذ العقاد في أبريل ١٩٢٧ م: «إن في كل أمةٍ لغة كتابةٍ ولغة حديث، وفي كل أمةٍ لهجة تهذيبٍ ولهجة ابتذال، وفي كل أمة كلام (١) له قواعد وأصول وكلام لا قواعد له ولا أصول، وسيظل الحال على هذا ما بقيت لغة وما بقي ناسٌ يتمايزون في المدارك والأذواق.» (٢) وفي الأربعينيات من القرن الماضي كتب د. علي عبد الواحد وافي: «فاختلاف لغة


(١) هكذا وردت الكلمة في كتاب الأستاذ العقاد، وحقها النصب (بعطف الجملة وامتداد عمل إن)، وقد قطعها عما قبلها، فلعل لها تخريجًا عنده وهو حجة.
(٢) عباس محمود العقاد: ساعات بين الكتب، المكتبة العصرية، بيروت - صيدا، ١٩٩١، ص ١٤٥ - ١٤٦، وهناك ما يشير، والحق يقال، إلى أن العامية كانت موجودة دائمًا منذ تاريخٍ مبكر، وكانت هي لغة الناس الطبيعية في حياتهم اليومية. يقول الكسائي (توفي عام ١٧٩ هـ): «حلفتُ ألَّا أكلم عاميًّا إلا بما يوافقه ويشبه كلامه، وقفت على نجارٍ فقلت له: بكم هذان البابان؟ فقال: بسلحتان يا مصفعان.» لاحظ أن هذا كان في القرن الثاني الهجري، وأن عبارة الكسائي بسيطة للغاية، ومع ذلك فقد اعتبرها النجار تقعُّرًا! وقد أورد الجاحظ في كتبه مشاهد كثيرة تدل على وجود لغتين: لغة العوام الطبيعية واللغة الفصحى التي أصبحت لغة الصنعة لا الفطرة ولغة الكتابة لا النطق، وقد حذر الجاحظ من الكلام مع العامة بغير لغتهم. يقول الجاحظ: إن الوحش من الكلام تفهمه الوحش من الناس، كما يفهم السوقي رطانة السوقي، وكلام الناس طبقات كما أن الناس أنفسهم طبقات (البيان والتبيين). وهناك ما يشير إلى أن العلماء أنفسهم إذا تُركوا على سجيتهم فإنهم يتكلمون لغة الناس. (انظر: المستوى اللغوي، الفصل الثاني: الفصحى واللهجات).

<<  <   >  >>