وشرودٌ وفقدان ذاكرة، وضربٌ في التيه بعد ضياع الخرائط واشتباه الطرق والتباس الأمام والوراء.
ألفاظ مهجورة: من التجديد أن نبعث بعض الألفاظ المهجورة التي هي أكثر إسعافًا لنا من المشهور وأكثر حداثةً من الحديث! ألستَ ترى أن نصف ألفاظ العلم هي جذورٌ وضمائم لاتينية ويونانية كانت ميتةً فأحيتنا؟! كذلك الأمر في العربية:
هناك ألفاظٌ نهجرها لأننا لم نجدها ذات نفعٍ لنا أو غَناءٍ في حياتنا الجديدة.
وهناك ألفاظٌ تهجرنا لأنها لم تجدنا أكفاءً لها، ولما كانت تَذْخَره لنا من ذَهبِ المعنى.
هناك ألفاظٌ تموت عنا.
وهناك ألفاظٌ نموت عنها.
[(٣) خطورة القضية اللغوية]
تولد كل الأجنة عاريةً إلا جنين الفكر فيولد متلبِّسًا باللغة.
تعسِت فكرةٌ رانت على البشر دهورًا تقول إن اللغة مجرد وسيلةٍ للتعبير عن الفكر ونقله إلى الآخرين، تعرض له من خارج وهو تامٌّ مكتمل كأنها غلاف الهدية أو كساء البدن أو وعاء السائل.
إنَّما شأن اللغة أبلغ من ذلك خطرًا وأبعد نفوذًا وأشد هولًا.
اللغة هي ذخائر المقولات وخزائن المفاهيم، بحيث يستحيل عليك أن تفكر تفكيرًا مركبًا ثريًّا بلغةٍ ساذجةٍ فقيرة.
اللغة هي «دالة الفكر» ونماذج الرؤية، بحيث لا تملك أن ترى من العالم إلا بقدر ما تسمح لك لغتك أن ترى.
اللغة هي حاملة العالم، وأطلس الوجود، بحيث لا بجانبك الصواب إذا قلت إن حجم وجودك هو حجم لغتك.
هكذا يتبين لنا مبلغ السَّفَه الذي نأتيه إذا نحن تخلَّينا عن هذه اللغة الجميلة الجليلة بعد كل الذي بلغته من الثراء والارتقاء.