للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(العمل اللغوي الميداني) قد انتهى في القرن الرابع، (١) وقد اتخذ مجمع اللغة العربية بالقاهرة قرارًا مؤداه «أن العرب الذين يوثق بعربيتهم ويُستشهد بكلامهم هم عرب الأمصار إلى نهاية القرن الثاني وأهل البدو من جزيرة العرب إلى نهاية القرن الرابع»، (٢) باعتبار أن لغة العرب بقِيتْ نقية خالصة في البوادي حتى نهاية القرن الرابع الهجري، وفي الحواضر حتى نهاية القرن الثاني الهجري، قبل أن يعتريها الفساد ويتسرب إليها اللحن.

ولا يخفى على القارئ، فضلًا عن ديكتاتورية الزمان، أن هذا خلطٌ آخر: خلط عصور، فقد امتدت الفترة التاريخية للغة المجموعة حوالي خمسة قرون، وتعامل النحاة مع هذه المادة اللغوية على أنها تنتمي إلى نظامٍ لغوي واحد، وتعذر عليهم أن يدركوا أن اللغة ظاهرة اجتماعية تتغير عبر الزمن، وأن من الخطأ أن تأخذ مادةً لغوية مستقاة من القرن الثاني قبل الهجرة مأخذ مادةٍ من القرن الرابع الهجري وتدرجها في نظامٍ لغوي واحد (أو «حالة» لغويةٍ واحدة بتعبير فرديناند دي سوسير). لقد فطن النحاة إلى ظاهرة التغير اللغوي الناجم عن عوامل خارجية فحدَّدوا فترة الاستشهاد، غير أنهم فيما يبدو لم يفطنوا إلى ظاهرة التغير اللغوي الناجم عن عوامل داخلية في اللغة ذاتها، وآية ذلك أنهم أخذوا شواهدهم من فترة زمنية هي نفسها كافية لحدوث تغيرٍ كبير.

لم يشأ العرب، كما يقول د. كمال بشر، «أن يأخذوا عامل الزمن في الحسبان؛ فلم يعترفوا على ما يبدو بأن اللغة ظاهرة اجتماعية قابلة للتطور على مدى الأيام، وقد جاءت خطة دراستهم العامة على وفق هذا التصور غير الدقيق.» (٣)

[(٥) ديكتاتورية المكان]

في منتصف القرن الثاني الهجري وما تلاه ازدهرت دراسة اللغة، ودأب العلماء والدارسون على الترحل إلى الأعراب في مواطنهم للأخذ عنهم، وقام الأعراب في المقابل بالوفادة على الحضر لتقديم المادة اللغوية للدارسين والعلماء.


(١) د. سعيد حسن بحيري: المدخل إلى مصادر اللغة العربية، مؤسسة المختار للنشر والتوزيع، القاهرة، ٢٠٠٠، ص ١٣.
(٢) الجزء الأول من «مجلة المجمع»، ص ٢٠٢.
(٣) د. كمال بشر: دراسات في علم اللغة، القسم الثاني، دار المعارف، القاهرة، ١٩٧١، ص ٥٧.

<<  <   >  >>