للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في جوانب ولا ينطبق في أخرى؛ وعليه فإذا كانت اللغة مثل الكائن الحي تنشأ وتنمو وتشيخ وتموت، فإنها بعكس الكائن الحي قد تحتفظ بالحياة بل قد تعاد إلى الحياة إذا شاء أهلها ذلك: فقد اختار اليابانيون الاحتفاظ بلغتهم في أحلك الظروف كأداة للعلم وعنوان للهوية، وقد بعث جيرانُنا الألدَّاءُ العبرية من مرقدها لتكون لغة حياة وأدب وعلم، وإن مهمتنا تجاه العربية لأيسر بكثير من مهمتهم التي بدأوها وأكملوها! وإن لدينا من الدواعي القومية والروحية مثل ما لديهم وزيادة.

[(٢) بين الحتمية الاجتماعية والمذهب العملي]

تخضع اللغة في سيرها، كما يقول د. علي عبد الواحد وافي، لقوانين مطردة ثابتة، لا يد لأحدٍ على وقف عملها أو تغيير ما تؤدي إليه، ولا نقصد بذلك أن نقرر مبدأ الجبرية المطلقة في حياة اللغة، ولا أن ننكر إمكان التدخل في شئونها، ولكننا نقصد بذلك أن نبين أن كل تدخل يتنافر مع القوانين الطبيعية التي تسير عليها اللغة في حياتها لن يغير شيئًا مما تقضي به هذه القوانين، وأن التدخل المنتج هو الذي يساير هذه القوانين، ويهيئ الظروف المواتية لتحققها في الناحية المقصودة.» (١) «فما ذهب إليه فرنسيس بيكون بصدد التدخل في الظواهر الطبيعية إذ يقرر أنها «لا تمكن السيطرة على ظواهر الطبيعة إلا بطاعتها ومسايرتها» يصدق كذلك على ظواهر اللغة وما إليها من الظواهر الاجتماعية الأخرى.» (٢)

وفي المجال الاجتماعي والتاريخي يقول ماركس في «رأس المال»: «حتى إذا اهتدى مجتمعٌ ما إلى الطريق الصحيح لاكتشاف القوانين الطبيعية لحركته، فما هو بمستطيع، لا بقفزات جريئة ولا بتشريعات قانونية، أن يزيل العقبات التي تفرضها المراحل


(١) اللغة والمجتمع، ص ١٩٧ - ١٩٨.
(٢) المرجع السابق، ص ١٩٨.

<<  <   >  >>