للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الياء بحالها؛ لأن السبب الأول إلى قلبها لم يكن قويًّا، ولا مما يعتاد في مثله أن يكون مؤثرًا … ومن ذلك قولهم: أبيض لياح، وهو من الواو؛ لأن ببياضه ما يلوح للناظر، فقلبت الواو ياءً لانكسار ما قبلها، وليس ذلك عن قوة علة، إنما هو للجنوح إلى خفة الياء مع أدنى سبب، وهو التطرق إليها بالكسرة طلبًا للاستخفاف … ومن التدريج في اللغة قولهم: ديمة وديم، واستمرار الكسر في العين للكسرة قبلها، ثم تجاوزوا ذلك لما كثر وشاع إلى أن قالوا: ديمت السماء ودومت، فأما دومت فعلى القياس، وأما ديمت فلاستمرر القلب في ديمة وديم … فهو بالياء لهذا آنس، وجماع هذا الباب غلبة الياء على الواو لخفَّتها، فهم لا يزالون تسبُّبًا إليها، ونجشًا عنها، واستثارة لها، وتقربًا ما استطاعوا منها … » (١)

ومن هذا الباب كلمة «تَرَيَّضَ» بمعنى «خرج للتنزه»، فقد رفضها من رفض لأن الكلمة واوية، غير أن معجم «الأساسي» ذكرها بمعنى خرج للمشي على سبيل الرياضة، وقد تبين لنا الآن أنها صحيحة بالاشتقاق المباشر من كلمة «الرياضة»، مثلما أن «التقييم» صحيحة بالاشتقاق من كلمة «القيمة».

[نفس، وعين]

يقولون: لا تقل «جاء نفس الرجل»، والصواب «جاء الرجل نفسه»؛ لأن كلمتَي «نفس، وعين» إذا كانتا للتوكيد وجب أن يسبقهما المؤكد، وأن تكونا مثله في الضبط الإعرابي، وأن تضاف كل واحدة منهما إلى ضمير مذكور حتمًا، يطابق هذا المؤكد في التذكير والتأنيث والإفراد والتثنية والجمع.

ونقول: نعم، لنلتزم بذلك وسعنا فهو أقوم وأسعد، ولكن أسبقية التوكيد تكون أوضح وأسمح في سياقات معينة، فلمَ التضييق ومجال القول ذو سعة؟ ولماذا لا نطاوع ضغط اللغة المحكية والأجنبية وكلتاهما تقدم التوكيد على المؤكد؟ العقل نفسه، والخاطر والشعور، كثيرًا ما يقدم التوكيد على المؤكد! وفي سياقات معينة تُوقِعنا القاعدة القديمة في اللبس والاضطراب، وبخاصة حين يكون المؤكد مضافًا، يعرف ذلك كلُّ من له باع في الترجمة: هبني أريد أن أؤكد: بنود الوصية، أو درجات الطالبة … إلخ، هل أقول


(١) د. محمد كامل حسين: مجلة مجمع اللغة العربية، ج ٢٢، القاهرة، ١٩٦٧. يقال دوَّمت السماء، وديَّمت، أي أمطرت الدِّيمة وهي المطر يطول زمانه في سكون، والأصل فيها للواو ثم أُبدلت الواو ياءً في الفعل تأثرًا بما حدث من إبدال في الاسم «ديمة»، وقد أخذ مجمع اللغة المصري بهذا الرأي في كلماتٍ أخرى.

<<  <   >  >>