للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اختراع الأعراب نتيجة لضغط النحاة، (١)

ونتيجة لما صار إليه أمر الرواية إذ أصبحت حرفة مكتسبة تدر على صاحبها دخلًا وفيرًا، فتحمله على أن يختلق الروايات من أجل الكسب المادي، (٢) لقد آن لنا، كما يقول العلايلي في مقدمة «المعجم»: «أن نأخذ بمذهب الجد، وإلا وضعت العربية في الموضع القلق والمحل المتهافت والمضمار الضيق، وتبعة كل أولئك إنما تقع على كاهل اللغويين وحدهم حين وقفوا موقفًا لا يحيد عما تواضعه سالفو اللغويين، من قوانين لم تكن في أولها إلا وهمًا خاطئًا، أو نتيجة درسٍ غير مستقيم ولا محقق، كأكثر ما نرزح تحته من تقاليد وعادات، لم تكن في الواقع البعيد الماضي أكثر من مغالط صيَّرها التاريخ عقائد.»

[(٣) تصحيح الصحيح]

يوشك هواة قل ولا تقل أن يغادروا الناس وهي لا تقول ولا تقول.

في فصل «تصحيح الصحيح» يعرض المؤلف لصنيع المحافظين هواة «قل ولا تقل»، الذين يؤذون العربية من حيث يريدون أن يصلحوها، يتكلف هؤلاء تَسقُّط الأخطاء ويجعلون منه حرفةً تذكرنا بتصيد الساحرات في القرون الوسطى، يتناسى هؤلاء ظاهرة التطور اللغوي والتحول الدلالي، ويعرضون الاستخدام الجديد على المحك القديم - المحك الخطأ، فاللغة هي، ببساطة، ما يقوله الناس، وما يقوله الناس يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة وتبدل الأحوال والأوضاع.

حين يشيع خطأٌ لغوي شيوعًا تامًّا، وتختلف عليه حقبٌ وعقود، يتحول عنصره وتتبدل صفته، ويغدو قاعدةً «بوضع اليد»، لها علينا كل ما للقاعدة من حقوق، على


(١) روي في «أخبار النحويين البصريين» أن رؤبة قال ليونس بن حبيب وقد ضاق من إلحاحه على طلب الغريب: «حتام تسألني عن هذه البواطيل وأزخرفها لك، أما ترى الشيب قد بلغ في لحيتك؟» وجاء في معجم الأدباء لياقوت الحموي أن الكسائي ربما كان يلقن الأعراب ما يريد، يقول أبو الطيب النحوي عن الكسائي: « … وعلمه مختلطٌ بلا حجج ولا علل إلا حكايات الأعراب مطروحة لأنه كان يلقنهم ما يريد»، وجاء في «البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة» قول الفيروزابادي إن الأصمعي «كان متحرزًا في التفسير، وأما في غيره فمتسامح. يحكى عن عبد الرحمن ابن أخيه أنه قيل له: ما فعل عمك؟ قال: قاعد في الشمس يكذب على الأعراب بكلام لا أصل له.».
(٢) شعبان العبيدي: النحو العربي ومناهج التأليف والتحليل، جامعة قار يونس، ليبيا، ١٩٨٩، ص ١٤٩.

<<  <   >  >>