للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[جيب]

أهمية هذا اللفظ أنه يمثل كلمة لم ترد بمعناها في كلام العرب؛ لسبب بسيط هو أنهم لم تكن لديهم جيوب في ملابسهم! فالجيب عند العرب هو طوق الثوب عند النحر، أي فتحة الثوب عند الرقبة، والجيب أيضًا الصدر أو القلب، وقد كانت العرب تضع الأشياء الثمينة في صدور ثيابها، وفي الذكر الحكيم: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} (النمل: ١٢)، {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} (النور: ٣١)، أي صدورهن أو موضع القطع في القميص حيث يدخل الرأس.

لم تكن للعرب جيوب في ملابسهم. حسن، ولكن ماذا عن جيوبنا نحن التي في ملابسنا؟ ماذا نسميها؟ أين غطاؤها الرمزي؟ ما أظن أن هذا السؤال يعني المتزمت الذي وقف الزمن عنده في القرن الثاني أو الثالث الهجري.

لعب دورًا

مثل: «لعب دورًا مهمًّا في السياسة الخارجية.»

أدرجنا هذا المثال لأنه يثير قضيتين أو يطرح مبدأين: (١) (١) التطور الدلالي الحثيث لبعض الألفاظ. (٢) ضرورة الإذعان في بعض الأحيان لضغط اللغة الأجنبية.

يخطِّئ البعض هذا الاستعمال لأن معناه اللهو وهو معنًى غير مناسب في هذا المقام، يقول الأستاذ العقاد في كتاب «أشتاتٌ مجتمعاتٌ في اللغة والأدب»، بصدد ترجمة المفردات أو العبارات: «ومن ذلك قولهم: إن هذا أو ذاك، يلعب دورًا خطيرًا في السياسة أو التاريخ أو شئون الحياة العامة»، وقد يقبح الذوق في اختيار المواضع لهذه العبارة حتى يقول القائل: «إن الدين يلعب دورًا جديًّا في المسائل الاقتصادية»، أو يقول قائلهم: «إن ذاك البطل العظيم لعب دورًا هامًّا في تشريع زمانه» إلى أمثال هذا السخف الذي يتحرج منه أصحاب اللغة الأجنبية أنفسهم عند استخدام هذه العبارات، ولو أنهم أخذوا مادة «اللعب» بحرفها كما وضعت أصلًا لم يكن لهذا الموقع المعيب عند سامعيها من


(١) د. مصطفى جواد: قل ولا تقل، ص ١٦٠ - ١٦١.

<<  <   >  >>