للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قادر على أن يلحق بنا ينبهنا ولعله يسعفنا ونحن نتشوه بلغات جزئية نشأت في ظروف حضارية مشكوك في بعض أوجه عطائها. ومسألة دراسة الطب بالعربية إن كانت مجرد ترجمة من لسانٍ إلى لسان فلا فرق ولا مبرر ولا تغيير، أما إذا كانت الدعوة هي انطلاقًا من اللغة العربية بما تعنيه من «كلية الحضور»، وفنية الترابط، ودفء العلاقات، والتناغم مع الطبيعة، فلا بد أن تختلف ممارسة الطب، عامة، من واقع العربية ليصبح أقرب إلى العلوم الإنسانية التي تستعمل مفردات العلم، وليس مجرد صيانة أجزاء إنسان لها عمرها الافتراضي لا أكثر … وأهمية الطب بوجه خاص ليكون بلغة من يمارسه هو أن تاريخ هذا الفن يقول إنه كان دائمًا من علامات حضارة أي أمة، فتَقَدُّم الطب هو من أول النشاطات الدالة على نهضة أمة من الأمم، وهو يأتي في ذيل قائمة التدهور عند انحلال الأمم، أي أنه أول من ينشط تقدمًا وآخر ما يضمحل تدهورًا، أفلا ينبهنا هذا إلى أهمية أن يكون بلغة قومه بأي ثمن؟» (١)

[(٣) التعريب ضرورة لغوية]

إن لغةً لا تسقى بماء العلوم هي لغةٌ في طريقها إلى الموت.

د. خليل النعيمي

أن نعرِّب العلم يعني أن نُعلْمِن (٢) العربية، أي نعلمن عقولنا وأطرنا الذهنية ومورفولوجيتنا الدماغية، أما أن نتحدث العلم بالإنجليزية وعقولنا مصبوبةٌ بلغةٍ كهفيةٍ حُرِمَت قرونًا من النور فتعاطت الوهم وتقولبت بالخرافة، فذاك انفصامٌ معوق يجعلنا غرباء عن العلم مهما حفظناه وتقوَّلناه، ويجعلنا عاجزين عن الإضافة الحقيقية إليه والإبداع الأصيل فيه، وهو واقعٌ صلبٌ لا محل فيه لجدل ولا نملك وجهًا لنقاشه.


(١) د. عبد الحافظ حلمي محمد: تعريب تدريس العلوم في الجامعات: الدوافع والأهداف والمنهاج، ندوة مقومات التدريس الجامعي باللغة العربية، القاهرة، الجمعية المصرية لتعريب العلوم، ١٩٩٤.
(٢) د. خليل النعيمي: فضل اللغة - تجربة ذاتية في تدريس الطب بالعربية، مواقف فكرية، الكتاب ١٧ - ١٨، ١٩٩٧، ص ١٧٧.

<<  <   >  >>