تتفتح عليها مداركنا، والتي تملأ أرواحنا باشتقاقاتها البديعة يمكن أن تكون عائقًا (كما يزعم بعضهم) أمام تطورنا العقلي والمهني فيما بعد (وهي لم تكن كذلك أبدًا). وللحقيقة أؤكد، بعد هذه السنين من تخرجي، أن الفضل الأساسي الذي أحسبني مدينًا به لأساتذتي الكرام، هو «فضل اللغة»: «لغة علمتني، وسمحت لي أن أعبر عما يدور في رأسي بلا تلعثم، لغة علمتني أن «القرحة» أسهل بالنسبة للعربي (طبيبًا ومريضًا) من (الألسر) Ulcer، وأن الشاعر العربي قال قديمًا:
ولي كبدٌ مقروحةٌ من يبيعُني … بها كبدًا ليستْ بذاتِ قُروح
وأن «العصب المبهم» أقرب إلينا من «لونير فاغ» Vagus Nerve، وأن «الخثرة» كذلك أقرب إلينا وأسهل استيعابًا من «الترمبوز» Thrombus، وأن «الأبهر» أقرب إلى فهمنا من «الأورطة» Aorta، فهو أبهر لأنه الشريان الأساسي في الجسد، ولأن نزفه باهر ومخيف (الأبهر ألا يعبر الاسم نفسه، عن قوة العضو وطاقته؟!) وأن الوريد «الأجوف» أسهل على الفهم أيضًا من «لا فين كاف» Vena Cava، إنه أجوف لأنه يستقبل كامل الدم تقريبًا، ليوصله إلى القلب، إنه نوع من الجوف الوعائي الهائل، وهو أيضًا غامض ومخيف لأنه «أجوف»، ومعروف أن إصابته من أخطر الإصابات الوعائية على الحياة وأصعبها إصلاحًا. التعريب ليس دائمًا تخريبًا، كما ترون، إنه على العكس سلاح إضافي بالنسبة للطبيب العربي (مثلًا) لأن لغة الدراسة ولغة الممارسة هي نفسها، وإذا ما قرر أن يتخصص فإنه بالتأكيد سيكون قادرًا على تخطي عوائق تعلم لغة جديدة (وبخاصة عندما يكون قد تعلم أثناء دراسته الجامعية المصطلحات الأساسية باللغة الأجنبية كما هي الحال في دمشق).» (١)
يقول د. يحيى الرخاوي: «المسألة هي أن اللغة العربية تعلن عن، وتمثل، حضارة راسخة سُجِّلت بلسانٍ عربي، وظلت نفس اللغة قائمةً كما هي بأقل قدر من التشويه، أرسخ من كل لغات العالم الحالية … فهي تاريخ بشري قائم بيننا/ فينا، وربما هو