للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المنتجات وماركات الأجهزة التي تقوم في الغالب على بضعة أمثلةٍ من واقع خبرتنا الحياتية القصيرة المحدودة.

حين يسمح المرء لعقله أن يشيد تعميماتٍ عريضةً على أساس معلومات شحيحة أو أدلة هزيلة أو أمثلة قليلة أو عيِّنة «غير ممثِّلة»، فلن يُعييه أن يقيض أدلةً لكل شيء ويجد بينةً لأي دعوى مهما بلغت من السخف والبطلان، ولن يعجزه أن يؤيد أي شيء يميل إلى الاعتقاد به ما دام يعنيه الاعتقاد ولا تعنيه الحقيقة.

ومن الحق أيضًا أننا مضطرون إلى التعميم في حياتنا العملية، ولا يسعنا إلا التعميم إذا شئنا أن نفكر في أي شيء أو نتخذ أي قرار، ويبقى أن نتبع الأسلوب العلمي في استخلاص التعميمات، وأن نتجنب التعميم المتسرع جهد استطاعتنا، وأن نملك تعميماتنا ولا تملكنا، أي أن نجعل منها مجرد فروض عمل قابلة للمراجعة والتنقيح لا اعتقادًا دوجماطيقيًّا صلبًا يأخذ علينا سبل التأمل ويسد علينا منافذ التفكير. (١)

[(٥) انحياز التأييد (التأييد دون التفنيد)]

يبدو أن لدينا ميلًا صميمًا إلى أن «نؤيد» Confirm فرضياتنا بدلًا من أن «نفنِّدنا» Disconfirm، يفكر الواحد منا هكذا: إذا عثرت على مثالٍ موجِب أو أمثلةٍ موجبة أكون قد أيدت فرضيتي، غير أن العثور على مثالٍ يؤيد القاعدة لا يثبت أن القاعدة صادقة، بينما العثور على مثالٍ واحد يكذب القاعدة هو أمر يكفي لأن يثبت كذبها على نحو نهائي حاسم ويقضي عليها قضاءً مبرمًا، التكذيب إذن، وليس التأييد، هو معيار العلم. (٢)

وفي مجال الاستدلال الإحصائي يعد «انحياز التأييد» Confirmation Bias (أو انحياز التحقيق Verification Bias) ضربًا من الانحياز المعرفي تجاه تأييد الفرضية محل الدراسة. ومن أجل معادلة هذا الميل البشري الملاحظ يتم تشييد المنهج العلمي بطريقةٍ تلزمنا بأن نحاول «تفنيد» أو «تكذيب» Falsification فرضياتنا.


(١) عادل مصطفى: «المغالطات المنطقية: فصول في المنطق غير الصوري»، المجلس الأعلى للثقافة، ٢٠٠٧، ص ٥١ - ٥٨.
(٢) تقوم فلسفة كارل بوبر الإبستمولوجية برمَّتها على مبدأ التكذيب كمعيار للعلم الصحيح، حتى لقد أطلق عليها اسم «مذهب التكذيب» Falsificationism، انظر تفصيل ذلك في كتابنا «كارل بوبر - مائة عام من التنوير ونصرة العقل»، دار النهضة العربية، بيروت، ٢٠٠٢، الفصل الأول ص ١٩ - ٦١.

<<  <   >  >>