للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في أواخر الكلمات، وهي أصوات لين قصيرة، فقد سقطت في جميع اللهجات العامية، وبذلك سقطت أيضًا وظيفتها في الجملة وانقلب النظام اللغوي من نظام المرونة الإعرابية إلى نظام الترتيب المقيد، كما أشرنا إلى ذلك في موضعه، كذلك تضاءلت أصوات اللين الطويلة الواقعة في آخر الكلمات (فتحولت «رمى» مثلًا إلى «رمَ»، و «ضربوا» إلى «ضربُ»، و «مصطفى» إلى «مصطفَ» … إلخ)، كذلك فإن معظم أصوات اللين المتطرفة في اللاتينية قد انقرضت في اللغات المنشعبة عنها. ووقوع الصوت الساكن في آخر الكلمة يجعله كذلك عرضة للتحول أو السقوط، من ذلك ما حدث في العربية بصدد التنوين ونون الأفعال الخمسة والهمزة والهاء المتطرفتين (محمدٌ ولدٌ مطيعٌ، الأولاد يعلبون، الهواء شديدٌ، انتظرته ساعةً كاملةً - تحولت إلى: محمدْ ولدْ مطيعْ، الأولادْ بيلعبُ، الهَوَ شْدِيدْ، انتظرت ساعَ كَمْلَ)، (١) وفي اللاتينية انقرضت معظم الأصوات الساكنة من أواخر الكلمات في اللغات الرومانية المنبثقة عنها. والحق أن سقوط الأصوات اللينة والساكنة من أواخر الكلمات في جميع الألسنة قد أحدث انقلابًا كبيرًا في عالم اللغات: فقد كان من آثاره انقراض «طريقة الإعراب» في كثير من اللغات التي كانت تسير عليها كالعربية واللاتينية وما إليهما، (٢) ويرفض جاسبرين اعتبار سقوط الإعراب في اللغات المتفرعة عن اللاتينية كمظهر انحطاطٍ لغوي، ويرى في هذه الظاهرة تطورًا باتجاه التبسيط بصورةٍ عامة، وباتجاه ملاءمة اللغة لظروف التعبير. (٣)

ووقوع الصوت في وسط الكلمة يعرضه كذلك لصنوف من التغير والانحراف. فمن ذلك ما حدث بصدد الهمزة الساكنة الواقعة وسط الثلاثي، فقد تحولت إلى ألف لينة في العامية (فيقال: فاس، راس، فال … بدلًا من فأس، رأس، فأل … إلخ)، كذلك الياء والواو الساكنتان في وسط الكلمة تحولتا إلى صوتَيْ لين (عَيْن تحولت إلى عِيْن، يَوْم إلى يُوم … وهكذا). (٤)


(١) د. زكريا إبراهيم: مشكلة البنية، مكتبة مصر، القاهرة، ١٩٧٦، ص ٣٩.
(٢) انظر تفاصيل قانون «المماثلة» وتفريعاته الدقيقة في كتاب د. رمضان عبد التواب «بحوث في فقه اللغة» ص ١٦٣ - ١٨١، وكذلك قانون «المخالفة» ص ١٩٠ - ٢٠٨.
(٣) اللغة والمجتمع، ص ٩١ - ٩٣.
(٤) المرجع نفسه، ص ٩٤ - ٩٥.

<<  <   >  >>