للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سجل د. البدراوي زهران اعتراضات على منهج النحاة كما يعرضه حفني ناصف ويبرره، فيقول: «يبرر الأستاذ حفني ناصف خلطهم هذا بأنهم لو جمعوا لغة كل حي من العرب على حدتها لتكرر العمل وطال الزمن، وأرى أنه لا ضرر من أن يطول الزمن ولكن المهم أن تأتي النتائج صحيحةً وتكون الدراسة دقيقة فتتم خدمة لغة القرآن الكريم ولا يحدث مثل هذا الخلط ويكون للسيف خمسون اسمًا وللحجر سبعون وللناقة مائة؛ وتمثل ظاهرة الترادف أو المشترك مشكلةً لغوية ضررها أكثر من نفعها. ثم ما الحكمة في أن يخلط المتكلم بين الخصائص اللغوية لقبائل العرب؟ هل في هذا نفع للغة؟ هل هو الدقة؟» (١) ثم ينتقل إلى كثرة الدوران على الألسنة كمعيار للفصيح فيقول: «إنه حكم غير علمي، فقد كان المفروض أن ما كان بلسانٍ عربي أو بلغة قريش أو ورد في نصوص أدبية عالية أي الذي يمثل اللغة النموذجية هو الفصيح، أما أن يُعرف الفصيح بكثرة دورانه على الألسنة فقد يكون لغة العامة، أو لغة قبائل غير قرشية.» (٢) ويرى د. زهران أن الأخذ عن العربي دون المولَّد فيه مجافاة للمنهج العلمي، أما المنهج الأمثل فهو «أن تدرس اللغة دراسة مستويات، فليُعَدَّ العربي مستوًى من مستويات الدراسة، ويُعَد المولَّد مستويات الدراسة، فلو اتبع مثل هذا المنهج في الدراسة، ودرست كل لهجةٍ دراسةً مستقلة، ودُرس كل مستوًى من مستويات اللغة دراسة مستقلة؛ لكان ذلك معينًا على فهم أساليب العربية وما فيها من أسرار، وكان ذلك أيضًا وسيلة للتفريق بين شعراء، وأدباء كل بيئة، بالإضافة إلى هذا، فإن ذلك كان سيحدد طريقة الاستعمال؛ فمستعمِل اللغة سوف يرتبط بمستوًى معين من مستويات الأداء اللغوية؛ أما والحال هكذا فعلى حد تعبير حفني ناصف فأي لفظ نطقتَ به فأنت مُصيب، وأي استعمال جريت عليه فلست بمخطئ ما دمت لم تخرج عن المنقول.» (٣) وعن خلط اللهجات يقول د.

زهران: «لا شك أن هذا الخلط في المستويات اللغوية وبين اللهجات المختلفة لا يقره العرف اللغوي، فضلًا عن مجافاته لروح البحث العلمي، ولك أن تتصور شخصًا يحدثك بعامية أهل مصر وبعامية المغرب والشام والعراق في آنٍ واحد دون أن يلتزم خصائص مستقلةً للهجةٍ واحدة (من حيث النطق والمفردات والتراكيب … ) هل يمكنك متابعة حديثه وفهمه؟! إنه الخلط الذي لا تعترف به أية جماعة لغوية، ولا يقرُّه


(١) د. البدراوي زهران: مقدمة في علوم اللغة، دار المعارف، الطبعة الثانية، ١٩٨٦، ص ٦٢ - ٦٣.
(٢) المرجع السابق، ص ٦٣.
(٣) المرجع السابق، ص ٦٣ - ٦٤.

<<  <   >  >>