للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من الألفاظ للشيء الواحد، ولو عنوا ببحث مصادرها لتبين لهم أن هذا جاء من اختلاف اللغة عند القبائل المختلفة، ولكنهم لم يفعلوا شيئًا من ذلك، وأخذوا يخصصون معاني مختلفة للكلمات التي جمعوها، ولست أشك أن هذا التخصيص كان من عمل اللغويين وحدهم، وكان لا بد من مثل هذا التخصيص، فقد جمعوا للَّبَن مثلًا نيفًا ومائة وستين كلمة، فوضعوا لكل منها معنًى خاصًّا بها، ومن غير المعقول أن يكون كل عربي في البادية يعرف مائة وستين حالةً للَّبَن، وأنه وضع لكل حالة كلمة.»

يُهوِّن د. أمين علي السيد، العميد السابق لكلية دار العلوم وعضو المجمع اللغوي، من مسألة اختلاف اللهجات العربية ومن جرائرها المحتملة: «واختلاف اللهجات أصبح بعد دراستها أمرًا مشهورًا يعرفه كثير من أهل العلم، ولم يعْدُ (لا يتعدى) هذا الاختلاف مسائل محصورة لا تكاد تذكر بجانب ما أجمع عليه العرب، ولا يجوز لنا ترجيح لهجة على لهجة أخرى، وإنما يجوز لنا أن نرجح الأكثر شيوعًا؛ لأن لهجات القبائل العربية على اختلافها صحيحة، وكل واحدة منها يصح أن تكون إمامًا لنا نقيس عليه.» (١)

يبرر الأستاذ حفني ناصف منهج النحاة فيقول: «ولم ينظر نقلة اللغة إلى لغة كل قبيلة على حدتها بل جمعوا الألفاظ التي يتكلم بها كل القبائل التي عولوا على الأخذ عنها وجعلوها لغةً واحدة مقابل اللغة الأعجمية، ولا يخطئ المتكلم إلا إذا خرج عنها كلها، فلفظ «المُدية» لغة دوس ولفظ «السكين» لغة قريش، فنقل الأئمة اللفظين وأباحوا لكل إنسان أن يتكلم بأيهما شاء ولو لم يوجد في العرب من تكلم بهما معًا، ومن هنا جاء الترادف في اللغة والاشتراك اللفظي، ولو جمعوا لغة كل حي من العرب على حدتها لتكرر العمل وطال الزمن. ثم نظروا بعد ذلك إلى المفردات فما كان منها كثير الدوران على ألسنة العرب عدُّوه فصيحًا، وما كان قليل الدوران على ألسنتهم عدوه غريبًا وحشيًّا، يُعد استعماله مخلًّا بالفصاحة ولو كان معروفًا عند المخاطبين، واستخرجوا من استعمالات العرب قواعد تتعلق بأحوال أواخر الكلم وقواعد تتعلق بباقي أحوالها وسموها علم النحو والصرف وجعلوا لبعض تلك القواعد قيودًا واستثناءاتٍ حتى يكون الاستعمال الكثير مضبوطًا بقوانين تحتذى عند القياس، وما شذ عن ذلك جعلوه سماعيًّا يُقبل من العربي ولا يُقبل من المولَّد.» (٢)


(١) د. أمين علي السيد: في علمي العروض والقافية، دار المعارف، القاهرة، ط ٥، ١٩٩٩، ص ٢٤٩.
(٢) حفني ناصف: الأسماء العربية لمحدثات الحضارة والمدنية، مطبعة جامعة القاهرة، ١٩٥٦، ص ١٠ - ١١.

<<  <   >  >>