الواهنة تمارس الحياة العملية وهي خائرة التماسك فاترة التعاون إن لم تكن فاقدته … اللغة التي هي وسيلة كسب المعرفة قد صارت هي نفسها مادةً صعبة التعلم سيئة النتائج … وإذا الكثرة الكاثرة تحيا حياةً تئود كل تقدمٍ وتعوق كل نهوض، بسببٍ من اللغة.» (١)
للأستاذ محمد العلائي، وهو من «الأمناء» - تلامذة الشيخ أمين الخولي - نظراتٌ تشخيصية ثاقبة لأدواء العربية، منشئها وأعراضِها ومخاطرِها المحتملة. يقول في تقديمه لكتاب أستاذه «فن القول»: «لقد كان لطبيعة الشخصية المصرية هذه منذ القدم نتائجها في استقبال المجتمع للغة المفروضة، وفيما يأخذ به نفسه من المداراة والمصانعة، حين يتناول اللغة الوافدة على أنها ضرورية، ويظل يلتوي بها وينحرف، حتى ينتزع من كيانها لباب دلالتها، واضعًا مكان هذا اللباب ما يلتئم مع الفطرة المصرية، ويلتقي بملابساتها الإقليمية، مفهومًا وإحساسًا. ومن أعراض هذه الحكمة المصرية ما حدث للعربية الفصيحة، حين جاءت المصريين محفوفة بسلطان الدين، وسيف السياسة، فتناولتها الروح المصرية المستترة بالملاطفة والمسايرة، حتى أفقدتها خصائصها الجذرية، وأفعمتها من ذات شخصيتها وأجوائها؛ ما أدى إلى انشعاب العربية إلى لغتين: عاميةٍ وفصيحة، وانزواء الفصيحة مكتفيةً بظاهر من الحياة في أجواء البيئة التعليمية، وفي الرسميات المفروضة على الملكات والألسنة، تاركةً للعامية خصائصها المرهفة، في رصد الأعماق الشعبية، وفي تسجيل النزعات المتراجعة إلى هذه الأعماق، بما تحمل من آلامٍ وآمال، وجعلت أمواج العامية والفصيحة تلتقي وتتنافر، وتتقارب وتتدافع، حتى أصبح الكيان المصري، في هذه الحالة الأخيرة، على وضعٍ فني ممسوخ، لا يتميز بلونٍ ولا طعم ولا رائحة، وأصبح الفن القومي على وضعه ذلك يستقبل الحياة من نوافذ العقل بلغةٍ تغاير كل المغايرة وتختلف كل الاختلاف مع هذه اللغة التي يضطر إليها حين يعبر عما استقبل من نوافذ الحياة، وتلك هي المحنة القومية البالغة، التي أمسكت بالفن المصري وأصابته بالتيبس والجمود، وحالت بينه وبين أسباب النشاط، التي من شأنها أن تعمل على خلق الإحساس بالكرامة القومية، وتنمية العقيدة التي تحمي هذه الكرامة،