للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما بذل.» (١) … «وأنا من أجل هذا أدعو إلى أن تتولى الدولة بواسطة العلماء القادرين إصلاح علومها وتيسيرها والملاءمة بينها وبين الحياة الحديثة والعقل الحديث، وأنا نذيرٌ للذين يقاومون هذا الإصلاح بخطرٍ منكر ما أرى أنهم يحبونه أو يطيقونه أو يسعون إليه أو يرغبون فيه، وهو أن اللغة العربية الفصحى إذا لم ننل علومها بالإصلاح صائرةٌ، سواء أردنا أم لم نرد، إلى أن تصبح لغةً دينية ليس غير، يحسنها أو لا يحسنها رجال الدين وحدهم ويعجز عن فهمها وذوقها فضلًا عن اصطناعها واستعمالها غير هؤلاء السادة من الناس … فاللغة العربية في مصر لغة إن لم تكن أجنبية فهي قريبة من الأجنبية، لا يتكلمها الناس في البيوت، ولا يتكلمها الناس في الشوارع، ولا يتكلمها الناس في الأندية، ولا يتكلمها الناس في المدارس، ولا يتكلمونها في الأزهر نفسه أيضًا … فالخطر الذي أنذر به إذا لم نتدارك اللغة وعلومها بالإصلاح والتيسير؛ إن لم يكن واقعًا فهو قريب الوقوع، وتبعة هذا كله إنما تقع على الذين يمانعون في الإصلاح والتيسير …

وينسون أن الذين أنشئوا هذه العلوم (علوم اللغة) إنما أنشئوها لأسباب منها حماية اللغة من أن تفسد أو تضيع، كما أننا نريد أن نصلحها ونيسرها لنحميها من أن تفسد أو تضيع … أريد كما يقول بهي الدين باشا بركات في هذه الأيام، وكما قال غيره من قبله، أن يقرأ الناس ليفهموا لا أن يفهموا ليقرءوا … والخير كل الخير أن نقبل على هذا الإصلاح عن رغبة ورضا، لا أن نعرض عنه حتى تفرضه علينا الظروف إن انتصر، أو تموت اللغة العربية إن كتبت لها الهزيمة لا قدر الله.» (٢)

وها هو الأستاذ محمود تيمور، وهو أديب كبير وعضو مجمع، يقول: «لا خلاف على أن قراءة الكلام غير المضبوط قراءةً صحيحة أمرٌ يتعذر على المثقفين عامة، بل إن المختصين في اللغة الواقفين حياتهم على دراستها لا يستطيعون ذلك إلا باطراد اليقظة ومتابعة الملاحظة، وإن أحدًا منهم إذا حرص على ألا يخطئ لا يتسنى له ذلك إلا بمزيد من التأني وإرهاف الذاكرة وإجهاد الأعصاب.» (٣) ويقول حسام الخطيب: «ولا نعرف أناسًا في الدنيا يستخدمون لغتهم بمثل ما يصاحب استخدام اللغة العربية لدى أبنائها من تهيُّب وتحفُّز وتردد وتوتر نفسي ورهق.» (٤)


(١) طه حسين: مستقبل الثقافة في مصر (١٩٣٨)، دار المعارف، القاهرة، ١٩٩٣، ص ١٨٧.
(٢) مستقبل الثقافة في مصر، اقتباسات حرفية متفرقة من ص ١٨٢ - ١٨٨.
(٣) مشكلات اللغة العربية، ص ٤٧ - ٤٨.
(٤) اللغة العربية - إضاءات عصرية، ص ٤.

<<  <   >  >>