«لا أرى أن نتخذ من القواعد ما نقر به المخطئ على خطئه، ومن الخير أن نلتزم اللغة الفصحى، وننبه على أن المستعمل بخلافها في الصحف أو غيرها غير مقبول، وليس من الخير أن نضع خاتم الشرع على أخطاء الكاتب أو المتحدث، ولو أجزنا لكل مخطئ أن يخطئ فسينتهي بنا الأمر إلى تسويد لغة العامة.»(د. عمر فروخ)
تلك أقوالٌ محافظة اجتزأتُها اجتزاءً وانتقاءً لكي تمثل المنطق المحافظ، مع كل الإجلال للقائلين ونياتهم الطيبة. إنهم يتحدثون كأن المعيار هو التراث لا العرف، أو كأن السلطة هي المجمع لا الحياة، ويصدرون الأحكام من غير سُدة الحكم! ولقد تركتهم اللغة يحافظون عليها في عالمهم الافتراضي ومضت في سبيلها لا تلوي على شيء.
لقد أتت جهودكم بعكس الذي توسموه، وها هي شواهد احتضار العربية تكاد تفقأ عين أوديب. التطور لا يغالَب بل يوجه ويضبط، وقديمًا قال ماكيافيللي للأمير «إذا أردت أن تتفادى ثورةً فاصنعها بنفسك!»، وقريب من ذلك قول د. محمد كامل حسين في مؤتمر المجمع، الدورة ٢٨، ١٩٦١:«فيما يتعلق بالثورة على اللغة في لبنان أرى أن الطريقة إلى منع الثورة في كل العالم هو التطور التدريجي، فلو تطور الروس ما قامت الثورة الروسية، والمحافظة الشديدة على تفاصيل اللغة العربية الفصحى على صعوبتها ستؤدي إلى الثورة عليها وانتصار العامية، والطريقة الوحيدة لتلافي ذلك هو التطور بالفصحى، وأؤكد أن التطور يكون إلى التقدم، والتقدم أميل إلى التبسيط»(مجلة المجمع، ج ١٥، ص ٨٠).
نعم، التبسيط يُماشي سُنن التطور ويساير اتجاهاته وميوله، وقد سبق أن قلنا: إن مبدأ «الاقتصاد» من أهم السنن المسيرة للتطور اللغوي، وكذلك مبدأ «القياس» بمعنى الاطراد والتجانس، ينبغي أن نعترف أن الفصحى على حالها الراهن صعبةٌ عسيرة الدراسة والتمثل. وهذا طه حسين، وهو سيد من سادة الفصحى، يقول في «مستقبل الثقافة في مصر»: «معنى ذلك أن تيسيره (أي تعليم العربية) قد أصبح فرضًا لا محيد عنه، وضرورةً لا خلاص منها، فليس كل الناس قادرًا على أن يتعلم اللغة العربية قراءةً وكتابةً وفهمًا مع ما تمتاز به قراءتها وكتابتها وعلومها من الصعوبة والتعقيد، وليس كل الناس مستعدًّا لأن ينفق من حياته الأعوام الطوال ليدرس أبواب النحو والصرف كما يريد هؤلاء السادة أن يحتفظوا بها، حتى إذا أنفق من وقته ما أنفق، وبذل من جهده