للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتعود تسمية هذه المغالطة (Etymological Fallacy) إلى جون ليونز John Lyons ويعني بها خطأ التأثيليين حين يحاجُّون بأن كلمة ما تعود إلى أصلٍ يوناني أو لاتيني أو عربي … إلخ؛ ولذا فإن معناها ينبغي أن يكون مطابقًا لما كانت عليه في الأصل. ويبدو زيف هذه الحجة في أن الافتراض الضمني بوجود «صلة حقيقية» أو «مناسَبة» في الأصل بين المبنَى والمعنَى - وهو ما تستند إليه هذه الحجة - هو شيء لا يمكن التحقق منه. (١)

وقد سبق أن عرضنا لمنطق التأثيليين في حديثنا عن محاورة كراتيلوس في فصل طبيعة اللغة، وتبينَّا أنهم يعتقدون بوجود علاقة طبيعية (غير اصطلاحية) وضرورية بين الدالِّ والمدلول، وأنهم بالتنقيب في الماضي عن أصل الكلمة والكشف عن معناها الحقيقي إنما يصلون إلى حقيقة من حقائق الطبيعة، أو يميطون اللثام عن «ماهية» الشيء الذي تدل عليه الكلمة!

وشبيه بهذا ما يفعله بعض الباحثين عندما يفسرون المعنى الاصطلاحي لمفهومٍ ما بمعناه اللغوي، مع احتمال ألا يكون المعنى الاصطلاحي مرتبطًا بالمعنى اللغوي ارتباطًا وثيقًا. وقد سبق لابن تيمية وابن قيم الجوزية أن اعترضا على استخدام أنصار المجاز للمنهج التاريخي في التمييز بين الحقيقة والمجاز رغم صعوبة التثبُّت من أصل اللفظ، وعدم وجود ما يفيد تاريخيًّا بسبق أحدهما على الآخر. (٢)

والحق أن التأثيل منهج مستخدم اعتمد عليه الكثير من اللغويين اعتمادًا كبيرًا، وبخاصة في القرن التاسع عشر، حيث أقيم على أُسسٍ أمتن مما كان عليه قبل ذلك، وما زال مستخدَمًا حتى الآن، ويعد فرعًا معتبرًا من اللسانيات التاريخية (الدياكرونية)، وله دعائم منهجية خاصة تتوقف على كمية الشواهد المؤيدة ونوعها، إلا أنه بات واضحًا للتأثيليين في القرن التاسع عشر، وسلم به اللسانيون عامة في الوقت الحاضر، أن معظم كلمات المعجم في أي لغة لا يمكن أن تُعزَى إلى أصولها، وقد انتكس المنهج التاريخي بعد دعوة دي سوسير إلى الفصل بين الدراسات التزامنية (السينكرونية) والدراسات التاريخية (التعاقبية/ الدياكرونية)، وكرَّس مبدأ «اعتباطية العلامة اللغوية» على نحوٍ


(١) لعل كلمة «تحقيق» أدق في ترجمة هذا المصطلح، لولا أنه يلتبس بتحقيق المخطوطات، فهو مشتق من الكلمة اليونانية Etumos التي تعني «حق» أو «حقيقي» (د. محمد محمد يونس علي: مدخل إلى اللسانيات، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، ٢٠٠٤، ص ٦٣).
(٢) روبنز: موجز تاريخ علم اللغة، ص ٥٣.

<<  <   >  >>