للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما وجد هذا لبيتي مخرجًا في العربية؟!

الفرزدق

أكثر اللغة مجازٌ لا حقيقة.

ابن جني

لسنا هنا بصدد تصويب (١) كلمةٍ أو كلمات، وليس هذا من غرض الكتاب في شيء، إنما نحن بصدد تصويب منطقٍ وتقويم منهجٍ وتصحيح فكرٍ. إن فينا قومًا تملكهم «إرهابٌ معجمي» و «سادية لغوية»، يقومون من زمنٍ بوظيفة شرطةٍ لغوية مولعة بتحرير المخالفات، وبلعبة قل ولا تقل، ينصبونها للتسلط والتسلي، «كفِعلِ الهِرَ يِحترِشُ العَظايا!»، ويغالون في ذلك إلى حد «تصحيح الصحيح»! يظن هؤلاء أنهم يحسنون إلى اللغة وهم يؤذونها غاية الإيذاء وينشرون فيها الفوضى والاضطراب، ويبثون في الناس اليأس من الفصحى والانصراف عنها، وها هي العربية تحتضر على أيديهم الخشنة، وليس موت اللغة سوى أن تهجر اللسان، يظن هؤلاء أنهم يصلحون اللغة وهم يهزون القارب وينخرون فيه نخرًا منكرًا، لقد أضلتهم القواعد (البَعْدية) فسلبتهم السليقة (القَبْلية)، وكأنا بالذيل يهز الكلب والعربة تتقدم الحصان.

لماذا كان العربي القديم يتكلم بسجيةٍ تعنو لها القواعد وتأتي بعدها ووراءها وعلى قدِّها، حتى لقد شُرع السماع وأصبح الذوق قواعد، بينما قلبنا نحن الآية وبدأنا بالقواعد نَتحنَّثُ في محرابها ونطوِّع لها الذوق، حتى ضجر الناس من العربية، وانفضوا عن الخطأ والصواب، وفقدوا الذوق والقواعد؟!


(١) ستيفن أولمان: دور الكلمة في اللغة، ترجمة د. كمال بشر، القاهرة، ١٩٦٢، ص ١٦٥.

<<  <   >  >>