للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والكلالة، أما الكلل والكِلَّة فمعناها الحالة، فيقال: بات فلان بكلل سوء، أي بحالة سوء، غير أن «السليقة» العربية تبقى غير مقتنعة: لماذا يجوز لي أن أقول «ملل» ولا يجوز أن أقول «كَلَل»، والمبدأ يقول: ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب؟! لماذا يحظر علينا أن نقول: «دون كللٍ أو ملل»، ذلك التعبير السلس الرفيق المسعف؟

وقد حسم مجمع اللغة المصري هذه المسألة، واعتبر هذا الاستعمال صحيحًا «اعتمادًا على سَنَدين: (١) أن مصادر الثلاثي أغلبها سماعي. (٢) عملًا بقرار مجمعي سابق بإجازة تكملة فروع مادة لغوية لم تذكر بقيتها في المعاجم.» (١)

ولعلها فرصة للحديث عن قضيةٍ عامة هي أن ألفاظًا عربيةً كثيرةً لا تذكرها المعاجم اللغوية ولكن عدم ذكرها لها لا ينفي عربيتها وأصالتها، وبالتالي تنتفي حجة من يخطئ اللفظ لمجرد أنه لم يرد عن العرب أو لم يرد في المعاجم، يقول المعري في «عبث الوليد»: «لا يمكن أن يحاط بجميع ما لفظت به القبائل؛ إذ كان ذلك غاية ليست بالمدركة»، ويقول أبو عمرو بن العلاء: «ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقله، ولو جاءكم وافرًا لجاءكم علمٌ وشعرٌ كثير.» (٢) ذلك أن العرب انشغلوا عن الشعر زمنًا بالجهاد وغزو فارس والروم، «فلما كثر الإسلام وجاءت الفتوح واطمأنت العرب في الأمصار، راجعوا رواية الشعر فلم يئولوا إلى ديوان مدوَّن، ولا كتاب مكتوب، وألفوا ذلك وقد هلك من العرب من هلك بالموت والقتل، فحفظوا أقل ذلك وذهب عنهم كثيره.» (٣) وهذا ابن فارس أحد أصحاب المعاجم الكبيرة يعقد في كتابه «الصاحبي» فصلًا عنوانه «باب القول على لغة العرب وهل يجوز أن يحاط بها» ويصدِّره بقوله: قال بعض الفقهاء: كلام العرب لا يحيط به إلا نبي، «وإذا كانت اللغة بهذه السعة، وقد ضاع مع ذلك كثير من شعر أصحابها على ما يقرره ابن سلام كذلك؛ فالقول بعدم إحاطة المعاجم باللغة صحيح، والقول بأن من اللغة ما ليس في المعاجم صحيح، والقول بأن في الإمكان تقرير عربية كلمة وأصالتها ولو لم ترد في المعاجم صحيح.» (٤) ولا يفوتنا أن نحيل القارئ إلى بحث الأستاذ أمين ظاهر خير الله «الرأي الحاسم في الكلام الذي خلت منه المعاجم»


(١) المصدر السابق، ص ٣٨.
(٢) معجم الصواب اللغوي، ج ١، ص ١٩٧.
(٣) معجم الصواب اللغوي، ج ١، ٦٢٢.
(٤) ابن سلام: طبقات فحول الشعراء، تحقيق محمود محمد شاكر، القاهرة، ١٩٧٣، ص ٣٥.

<<  <   >  >>