للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عناصرها الأولية؟ أظن أن الرد هو بالطبع لا، ونتيجة لذلك فلم يعد أمام التلميذ سوى حلٍّ واحد: هو الحفظ والاعتماد على الذاكرة في تعامله مع المواد العلمية، ومن هنا يلجأ التلميذ إلى وسيلة الحفظ كحلٍّ وحيد. وقد أشار كل من اهتم بأمور التعليم وكل من شارك في محاولات تقييمه إلى التعارض بين تنمية مهارات النقد والتحليل من ناحية وعادة الحفظ أو الاستظهار من جهة أخرى. ثمة خطورة أخرى لعادة الاستظهار، وهي خلق عقلية شفاهية عند التلميذ، وعند المجتمع بدرجةٍ ما.» (١)

وقد جاء في تقرير المجلس القومي للثقافة والفنون والآداب والإعلام ٢٠٠٤ أن «المناداة بأن تكون اللغة العربية لغة تلقي العلوم في المرحلة الجامعية الأولى ليس مبعثُه نعرةً قومية أو اعتزازًا باللغة العربية وغيرة عليها - وهي جديرة بهما ولا ريب - وإنما هو استجابة لضرورات ملزِمة يكابدها المعلمون والمتعلمون، وليست خيارًا يجوز تركه، فالكثرة الغالبة من طلاب الجامعات المصرية قد أصبحت - منذ عقود - بعيدة كل البعد عن التمكن من اللغة الإنجليزية؛ ولذلك يضطر الأستاذ المحاضر إلى صرف جزء كبير من وقت المحاضرة في تفسير ألفاظ وتراكيب إنجليزية عادية، وإلى اللجوء إلى الشرح والتعليق باللغة العربية - أو بالأحرى العامية - مضمنًا كلامه عددًا من الألفاظ المفككة والجمل البتراء باللغة الإنجليزية، ومتجنبًا على قدر الإمكان الألفاظ والعبارات الدقيقة، ويعلم الطالب أن المذكِّرة الرديئة الطباعة والإعداد، أو الكتاب المدرسي المقرَّر - إن وجدا - ستعصيان عليه، فيلهث وراء المحاضر محاولًا تسجيل كل كلمة يتسقَّطها منه، في بنيانٍ غير محكَم، ولأنه يدرك أيضًا عجزه الكامل عن طلاقة التعبير باللغة الإنجليزية، يلجأ إلى استظهار ما دَوَّنه أو قرأه - على علاته - استظهارًا دون فهمٍ حقيقي أو استيعابٍ عميق، وهكذا حين ينبغي للطالب الجامعي أن يحلق ببصره إلى آفاقٍ واسعة، ويتعمق في أغوارٍ بعيدة، نجد اللغة الإنجليزية قيدًا محددًا لأبعاد دراسته كمًّا وكيفًا، ومهددًا التعليم الجامعي بالضحالة وعدم الدقة. هذا عن أثر اللغة الإنجليزية على التحصيل والاستيعاب، أما عن وظيفة اللغة الإنجليزية من حيث اكتساب الطالب مقدرة التعبير البيِّن الصحيح والمحاجة وتقليب الآراء، وإعمال الفكر، فيتجلى كونها قيدًا


(١) تعريب لغة التعليم العالي، تقرير المجلس القومي للثقافة والفنون والآداب والإعلام - شعبة الآداب، يونيو ٢٠٠٤.

<<  <   >  >>