للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكنه تقسيم الكلام على حسب مواضعه، وتصحيحٌ لموقع الفعل وموقع الفاعل من إرادة المتكلم وفهم السامع، ومتى ثبت لنا الفرق بين موقع الفعل والفاعل في الجملتين الاسمية والفعلية فالاكتفاء بالجملة الاسمية كما تقع في كلام الأوروبيين نقصٌ منتقَد وليس بالمزية التي تدل على الكمال والارتقاء، وليس في وسع من يفهم مواقع الكلم أن يجهل الفارق بين قولنا «محمد حضر» وقولنا «حضر محمد»: فإننا نقول: «محمد حضر» إذا كنا ننتظر خبرًا عن محمد أو عن حضوره على الخصوص، ولكننا نقول: «حضر محمد» لمن يسمع خبرًا من الأخبار على إطلاقه ولا يلزم أن يكون الخبر عن محمد ولا عن الحضور بل لعل السامع كان ينتظر كلامًا عن حسن وعن علي كما ينتظره عن محمد، أو لعله خبر سفرٍ وليس بخبر حضورٍ منتظر أو غير منتظر.» (١)

وصيغة المجهول في العربية أوسع منها في اللغات الأخرى، وتنفرد العربية باستعداد لإثبات الفاعل على حسب درجاته من الأثر أو درجات العلم به عند السامع: فبالإضافة إلى صيغة المبني للمعلوم والمبني للمجهول تزيد العربية بصيغة لا وجود لها في اللغات الأخرى، هي صيغة الفعل المطاوع، «فيقول القائل (انفتح الباب)، ويعبر بذلك عن معنًى لا تدل عليه دلالته الدقيقة كلٌّ من صيغة المبني للمعلوم وصيغة المبني للمجهول، ويظهر الفارق في الدلالة على المعاني المختلفة في استخدام الفعل في الجمل المفيدة على حسب دلالتها: فإذا قلنا: «فتح محمدٌ الباب» فهذا لمن يهمه أن يعرف من الذي فتح الباب، وإذا قلنا: «فُتح الباب» فقد يكون الخبر موجهًا أيضًا إلى سامع يهمه أن يعلم شيئًا عن الفاعل، ولكن المتكلم يخبره بأنه لا يعرفه أو يخبره بأنه يعرفه ولا يريد أن يذكره. ولكن هناك حالة غير هذه وتلك، وهي حالة إنسان ينتظر فتح الباب ولا يعنيه مَنْ الذي فتحه كما لا يعنيه أن يقول له المتكلم إنه يجهله أو يسكت عنه، في هذه الحالة يقول العربي: «انفتح الباب» فيؤدي المعنى المطلوب بغير خلط بينه وبين الحالات التي ينتظر السامعون فيها خبرًا عن فاعل الفتح، معلومًا كان أو مجهولًا أو مسكوتًا عنه مع علم السامع به تعمدًا لإخفائه أو لإهماله. واللغة الدقيقة التي استوفت وجوه الدلالة هي اللغة التي تلاحظ مقتضى الحال في كل عبارة من العبارات الثلاث، ولا تستخدم عبارة واحدة لموضعين ملتبسين، بل تستخدم كل عبارة لموضعها الذي لا لبس فيه.» (٢)


(١) المصدر نفسه، ص ٦٠.
(٢) المصدر نفسه، ص ٦٣ - ٦٤.

<<  <   >  >>