للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويصطفِي، ويَعجِم ويُجرِّب؛ فأخذها بالتنقيح والنخل، واجتبى منها الأجمل والأسلس، فاستوت في النهاية لغةً بديعةً قسيمةً تامةَ الخلق خلابةَ البنيان.

وأخطأ النحاة حين استندوا إلى الشعر في أغلب شواهد اللغة، وهنا أيضًا لا نعدم أثرًا إيجابيًّا لهذا الخطأ المنهجي؛ فاللغة التي استمدت مادتها وشواهدها من الشعر لا يمكن إلا أن تكون «لغة شاعرة»، تؤثر النغم وتكره الثقل، وتعرف الحذف والإيجاز واللمح، ويدخل المجاز منها في الصميم. (١)

ثم عرضنا لرأي النحاة في نشأة اللغة وطبيعتها. لم يكن الإطار المعرفي الذي يفكر داخله النحاة ليسمح لهم بأكثر مما رأوه، واستثنينا عبد القاهر الجرجاني الذي كانت نظريته في «النظم» استباقًا مدهشًا لكثير من الأفكار الفلسفية واللغوية المعاصرة.

ثم انتقلنا في فصل «اللغة والمنطق» إلى قضية النحو العربي، وبينَّا أن تاريخ النحو كان تاريخ صراعٍ بين ثقافتين: ثقافة العرب وثقافة الموالي، كُتب فيه النصر، للأسف، لثقافة الموالي الذين بالغوا في تضخيم النحو وأثقلوه ومَنطَقوه، وجمدوا اللغة وأبعدوها عما ألفته في «بيت أبيها» من رحابةٍ وسماحة وسجية، وهذه تذكرةٌ تحمل في ذاتها دعوةً إلى إعادة «تعريب النحو»! وتخليصه من اللحاء الأرسطي الثقيل، الذي أضرَّ بالعربية وخنقها وأوحى إلى الناس أن يهجروها.

وفي فصل «التغير اللغوي» نَوَّهْنا إلى ظاهرة التغير وعرضنا، بشيء من التفصيل، لأسبابه وأنواعه، والتوتر القائم بين فكرة «التغير» وفكرة «اللحن» في أذهان اللغويين القدماء والمحدثين، وبينَّا أن الخطأ المشهور لا يعود خطأً؛ إذ إنَّ شرعية اللغة الشيوع! وعرضنا نماذج من «تصحيح الصحيح»! جعلنا منها فرصًا لتصويب الفكر قبل الكلمات، وبينَّا أنَّ كثيرًا مما يقال له «خطأ» في اللغة هو خطأ اللغويين أنفسهم هواة «قُلْ ولا تقُل»، الذين ثقل على أذهانهم الركام الأرسطي فعزلهم عن السليقة العربية، وأفقدهم الفطرة اللغوية فجعلوا يخطِّئون الناس ويبثون فيهم اليأس من الفصحى والتوجس منها.

وفي فصل «العامية والفصحى» عرضنا لقضية ازدواجيتنا اللغوية التي تهدد العقل العربي بالانشطار والتشوش، وبينَّا أن سد الفجوة بين العامية والفصحى لا يكون باحتقار


(١) يقول أدونيس في «الشعرية العربية»: «فالمجاز في اللغة العربية أكثر من أن يكون مجرد أسلوب تعبيري، إنَّه في بنيتها ذاتها.»

<<  <   >  >>