للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هورموجينيس في محاورة أقراطيلوس (كراتيلوس)، أو ما يعنيه دي سوسير ب «اعتباطية العلامة» Arbitrariness of sign.

إن الكثير من فقهاء اللغة العرب كانوا يضمرون الاعتقاد في التوقيف والاصطلاح معًا: أن الله صنع العربية على أكمل وجه وعلى النحاة الكشف عن حكمته فيما صنعه، وأن العرب صنعت العربية على أكمل وجه وعلى النحاة الكشف عن حكمة العرب فيما صنعته.

إن المذهبين كليهما يلتقيان في أن اللغة كيانٌ محكمٌ، متناهي الإتقان، ثابت الأركان، أتى بتدبير مدبرٍ وفعل فاعل، ومن ثم فإن علينا حفظه وتأمله، وليس لنا أن نعبث به ونتصرف فيه.

لم يكن العقل الإنساني في هذه المرحلة من تطوره ينفر من التناقض نفورنا منه الآن، ولم يكن «قانون التناقض» Law of contradiction فاعلًا فيه! هذا ما يجب أن نعيه ونحن نشهد النقائض متراصةً في فكر القدماء جنبًا إلى جنب Juxtapose في وئام وسلام، مثلما تتراص في أحلامنا! ونشهد التصورات الميثوبية (١) والغيبية تُتبلع ببساطةٍ تدعونا إلى العجب. كان الفكر القديم يدرك العلاقة بين السبب والنتيجة، ولكنه لن يدرك ما نراه من سببية تعمل كالقانون، آليًّا ودونما أي هوًى شخصي؛ وذلك لأننا قد ابتعدنا كثيرًا عن عالم التجربة المباشرة بحثًا عن الأسباب الحقيقية … إنه أعجز من أن ينسحب كل هذا الانسحاب عن الحقيقة المحسوسة، كما أنه لن يقنع بأفكارنا، فإذا بحث عن السبب، فإنه يبحث عن «مَنْ» لا عن «كيف»، إنه يبحث عن إرادةٍ ذات غرض تأتي فعلًا معينًا، (٢) هذا ما جعل مسألة «اللغة» كظاهرة «انبثاقية» Emergent تنجم تلقائيًّا من طبيعة الاجتماع، شيئًا عصيًّا على إدراكه، بعيدًا عن منال فهمه.


(١) الأسطورية أو الصانعة للأساطير Mythopeic.
(٢) هـ فرانكفورت وآخرون: ما قبل الفلسفة، ترجمة: جبرا إبراهيم جبرا، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط ٣، ١٩٨٢، ص ٢٧ - ٢٨.

<<  <   >  >>