للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللفظة صوتَ الآلة …

وآخرون رأوا أن الألفاظ المفردة الأولى باصطلاح وتواطؤ، وأما المشتق عن الأول والأسماء المركبة عن الأول فليست باصطلاح، وإنما ألزمت طبيعة الأمر المدلول عليه باسمٍ مركب، أو باسمٍ مشتق من الألفاظ المفردة الأُوَل، وقوم آخرون رأوا هذا في الأقاويل عن الألفاظ التي تدل على أجزاء الأمر المركب الذي يدل عليه القول، وأرسطوطاليس يرى أن جميع ذلك باصطلاح وتواطؤ.» (١)

اتخذ أرسطو إذن وجهة نظر عرفية بشكل حازم «فاللغة نتاج العرف، ما دامت الأسماء لا تنشأ بشكل طبيعي، والمحاكاة الصوتية لا تحتم نقض هذا الرأي؛ نظرًا لأن صيغ المحاكاة الصوتية تختلف من لغة إلى أخرى، وهي قليلة في فونولوجيا كل لغة على حدة، ورأي أرسطو في اللغة ملخصٌ في بداية De Interpretatione كالتالي: الكلام تمثيل للخبرات العقلية، والكتابة تمثيل للكلام.» (٢)

أما أبيقور (٣٤١ - ٢٧٠ ق. م) فقد اتخذ موقفًا وسطًا معتقدًا أن صيغ الكلمات قد نشأت بشكلٍ طبيعي، ولكنها تغيرت عن طريق العرف. وبشكلٍ أكثر أهمية في تاريخ علم اللغة فإن الرواقيين قد تحيزوا للأساس الطبيعي للغة، معولين إلى حدٍّ كبير على المحاكاة الصوتية والرمزية الصوتية: فالأسماء في رأيهم قد صيغت بشكلٍ طبيعي، أي من الأصوات الأولى التي تبدو مثل الأشياء التي تطلق عليها، وهذا الموقف يتفق في الواقع مع تأكيدهم الأعم على الطبيعة بوصفها مرشدًا للحياة الإنسانية اللائقة، (٣) وفي بحثهم عن أصول الكلمات فقد أوْلوا أهميةً كبيرة ل «الصيغ الأصلية للكلمات» Protai phonai التي زعم أنها كانت محاكاةً صوتية، ولكنها فيما بعد خضعت لتغيرات من أنواع مختلفة. (٤)

هذان الرأيان المتعارضان لكل من أرسطو والرواقيين رأيان مهمان؛ لأنهما قادا إلى الخلاف اللغوي الثاني للعصور القديمة، وهو القياس مقابل الشذوذ، وهذا الخلاف لم يظهر بشكلٍ جوهري قبل المعالجة الموسعة التي قدمها للمسألة الكاتب اللاتيني فارو Varro في القرن الأول قبل الميلاد … ويبدو واضحًا أن أرسطو قد انحاز للقياس، وأن


(١) المرجع السابق، ص ٢٢.
(٢) ر. هـ. روبنز: موجز تاريخ علم اللغة، ترجمة: د. أحمد عوض، عالم المعرفة، الكويت، عدد ٢٢٧، نوفمبر ١٩٩٧، ص ٤٧.
(٣) Ad naturam vivere أي الحياة وفقًا للطبيعة، وهو المبدأ الأكبر للرواقية.
(٤) المصدر السابق، ص ٤٧ - ٤٨.

<<  <   >  >>