حتى رأيت كومين من طعام وثياب ورأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة ثم قال:"من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده لا ينقص من أجورهم شيئا ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها بعده لا ينقص من أزوارهم شيئا"، وفي رواية:"كان له أجرها ومثل أجر من عمل بها وذلك سواء".
وفيه أن لمن سن سنة حسنة من الأجر مثل ما لمن عمل بها وقد ضعفه بعض وقال: كيف يكون له مثل أجر من عمل بها من بعده ومع العامل من معاناة العمل ما ليس مع الذي سنها فالمعقول أن يكون في الأجر فوقه واحتج بما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من سن خيرا فاستن به فله أجره ومن أجور من تبعه غير منتقص من أجورهم شيئا ومن سن شرا فاستن به بعده فعليه وزره ومن أوزار من أتبعه غير منتقص من أوزارهم شيئا".
واحتج أيضا بما روي عن ابن مسعود يرفعه: لا تقتل نفس ظلما إلا كان علي ابن آدم الأول كفل منها وهذا كله لا حجة فيه لأن قوله: "من أجور" ومثل أجر بمعنى واحد ومن صلة كقوله تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} وحديث ابن مسعود حجة لنا لأن الكفل المثل قال تعالى: {وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا} أي: مثل منها وقال تعالى: {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} يؤيد ما قلنا قوله صلى الله عليه وسلم: "الدال على الخير كفاعله"، فإذا كان الدال يستحق كالفاعل لمجرد دلالته كان الذي عمل أولى بذلك ولأن الذي سن دل الناس بعمله عليها ولأن الثواب فضل من الله تعالى لا يأتي على قياس.