روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"اللهم ارحم المحلقين" قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال:"اللهم ارحم المحلقين" قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال:"والمقصرين" سبب تكرار الدعاء للمحلقين هو ما روى أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ما بال المحلقين ظاهرت لهم بالترحم؟ قال:"إنهم لم يشكوا" وذلك أن يوم الحديبية لما حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حلق معه كثير من الصحابة وأمسك آخرون فقالوا: والله ما طفنا بالبيت فقصروا, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اللهم ارحم المحلقين" الحديث فلما توقفوا وبادر المحلقون إلى الاقتداء به فضلوا عليهم لا لفضل في نفس الحلق لأن الله تعالى أباحهما فقال: {مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ} ولكن لأن السبق إلى المعرفة يوجب الفضيلة للسابقين إليها كما وجبت الفضيلة لأبي بكر بسبقه إلى التصدييق في إخباره صلى الله عليه وسلم بإتيان بيت المقدس من مكة ورجوعه منه إلى منزله في ليلته وكما وجبت الفضيلة لخزيمة بشهادته لرسول صلى الله عليه وسلم على الأعرابي حتى سمى ذا الشهادتين لما سبقعم إلى معرفة جواز أداء الشهادة بدعواه صلى الله عليه وسلم وإن لم يشاهد الحال فكذا المحلقون فضلوا على المقصرين بسبقهم إلى الطاعة وانتفاء الشك عن قلوبهم وعلمهم أن ما عاينوا منه أولى بهم مما قدمت معرفتهم به وروى أن المقصرين إنما كانوا رجلين أحدهما من قريش والآخر من الأنصار قال القاضي: ويمكن أن يقال الحلق أفضل لكونه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولكونه أبلغ في قضاء التفث أشق والأجر على قدر التعب