روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات" في بعض الروايات "لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه إلا وإن لكل ملك حمى الا وإن حمى الله محارمه" لما جعل الله تعالى بعض الشرائع في كتابه وعلى لسان رسوله بينة لم يختلف أهل العلم فيها وبعضها متشابهة اختلف فيها كان الورع ترك المتشابه فمن المتشابه في الكتاب قوله: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} وقوله: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} وما أشبه ذلك مما اختلف أهل العلم فيه كالجمع بين الأختين بملك اليمين وفي السنة قوله صلى الله عليه وسلم: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" وافطر الحاجم والمحجوم ولا ينبغي للحكام فيما هذا سبيله من الإحكام التوقف عن الحكم فيه بل المفترض إمضاء ما رأوه بعد الاجتهاد فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد ويرجع المحكوم لهم فيها إلى المعنى الذي كانوا عليه قبل الحكم من التورع عن الدخول فيها والإقدام عليها مثال ذلك قول الرجل لامرأته أنت علي حرام فقالت طائفة: هي ثلاث تطليقات ومنهم من قال أنها يمين وهو مول وقيل أنه ظهار وقيل أنها تطليقة بائنة إلا إذا عنى ثلاثا وقيل أنها رجعية إلا إذا نوى ثلاثا فمن بلى بمثل هذا ممن يرى الحرمة بقول من هذه الأقوال ثم خوصم إلى حاكم لا يرى حرمتها عليه ويرى بقاءها عليه فقضى له بذلك ففيه اختلاف فمنهم من يقول له استعمال ذلك وترك رأيه وهو قول محمد ابن الحسن ومنهم من يقول يأخذ برأيه ويترك ذلك الحكم إذ كان الحكم له لا عليه وهو قول أبي يوسف أيضا وهو أولى القولين بالحق.