روى أن عثمان رضي الله عنه صلى بأهل منى أربع ركعات فلما سلم أقبل إليهم فقال: إني تأهلت بمكة وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من تأهل في بلدة فهو من أهلها فليصل أربعا" فلذلك صليت أربعا.
وإنما قال ذلك لما أنكر الناس عليه الاتمام وفيه ما يدل على ما يقوله أبو حنيفة وأصحابه والشافعي رضي الله عنهم أن الإمام إذا كان من أهل مكة وكذا غيره من الحاج لا يقصرون الصلاة بمنى لأنهم في سفر لا يقصر في مثله وإليه ذهب عطاء ومجاهد وهما إماما الناس في الحج والنظر أيضا يوجب ذلك لأن قصر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما الصلاة بمنى في حجهم لا يخلو من ثلاثة معان لا رابع لها إما أن يكون للموطن الذي كانوا به وذلك منتف لاجماعهم أن من لم يكن حاجا ولا مسافرا يتم في ذلك الموطن وأما أن يكون للحجيج وهو منتف أيضا لاجماعهم أن الحاج من أهل منى يتمون الصلاة بمنى فلم يبق إلا أن يكون للسفر الذي يقصر في مثله وكان مالك رحمه الله يقول في الحاج من أهل منى أنهم يتمون بمنى ومن أهل مكة وأهل عرفة يقصرون بمنى وأهل منى يقصرون بعرفة وإذا انتفى أن يكون قصر الصلاة إلا للسفر انتفى قول من قال أن غير المسافر يقصر بمنى حاجا كان أو غير حاج نقل عن مالك وابن القاسم في أحد قوليهما أن الحاج يقصر بمنى وإن لم يكن مسافرا لأنه منزل سفر وغير الحاج لا يقصر إذا لم يكن مسافرا اجماعا.