روى عن أبي بكر الصديق أنه قال: أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فذكر حديثا طويلا من حديث يوم القيامة ثم ذكر شفاعة الشهداء قال: "ثم يقول الله عز وجل: أنا أرحم الراحمين انظروا في النار هل فيها من أحد عمل خيرا قط؟ فيجدون في النار رجلا فيقال له: هل عملت خيرا قط فيقول: لا غير أني كنت أمرت ولدي إذا مت فأحرقوني بالنار ثم اطحنوني حتى إذا كنت مثل الكحل فاذهبوا بي إلى البحر فاذروني في البحر فوالله لا يقدر على رب العالمين أبدا فيعاقبني إذا عاقبت نفسي في الدنيا عليه, قال الله له: لم فعلت ذلك؟ قال: من مخافتك, فيقول: انظروا أعظم ملك فإن لك مثله وعشرة أمثاله", يحتمل أن يكون الوصية بالاحراق من شريعة ذلك القرن الذي كان الموصي منه خوفا من الله ورجاء رحمته كما يوصي في أمتنا بوضع الخد على تراب اللحد رجاء للعفو والمغفرة وليس قوله:"لا يقدر على رب العالمين" على نفي القدرة إذ لو كان معتقدا لذلك كان كافرا ولما غفر له ولا أدخل الجنة وإنما هو على التضييق كقوله: {فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} أي ضيق عليه رزقه وقوله: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} إذ لا يظن يونس غير ذلك يعني لا يضيق الله على أبدا فيعاقبني بما قد فعلته بنفسي رجاء رحمته وطلب غفرانه وذكر الحديث من طرق بألفاظ مختلفة في بعضها: "أن الله لا يقدر علي يعذبني" وفي بعضها: "فإن الله يقدر على لم يغفر لي" والمعنى في ذلك كله سواء وأما ما روى في بعض الآثار مكان "لا يقدر الله علي""لعلي أضل الله" فإنه حديث لم يروه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا رجل واحد وهو معاوية ابن حيدة جد بهز بن حكيم وخالفه في ذلك أبو بكر الصديق وحذيفة وأبو مسعود وأبو سعيد الخدري وسلمان وأبو هريرة رضي الله عنهم وستة أولى بالحفظ من واحد وتأويل قوله: "أضل الله" على تقدير صحته أنه كان مؤمنا بالله خائفا من عقوبته لكنه كان جاهلا بلطيف قدرته فجعلوه بخشية عقوبته مؤمنا وبطمعه أن يضله جاهلا فالغفران لإيمانه لأنه لم يخرج بجهله من إيمانه إلى الكفر بالله ويحتمل أم معاوية فهم من لا يقدر الله على نفي القدرة فجاء به على المعنى والستة نقلوه بلفظه كما سمعوه والله أعلم.