روى أن رجلا من الأنصار أعتق ستة مملوكين له عند موته لم يكن له غيرهم مال فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فغضب من ذلك وقال:"لقد هممت أن لا أصلي عليه" ثم دعا مماليكه فجزأهم ثلاثة أجزاء فأقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة إنما غضب وهم أن لا يصلي لأن المريض لا يجوز أن يتصرف إلا في ثلث ماله فيجب على كل مريض أن لا ينبسط في ماله بسط الأصحاء لاحتمال موته منه فلا يحل له ذلك فيحتاط لنفسه ولورثته لئلا يكون مذموما فإن من سنته صلى الله عليه وسلم ترك الصلاة على المذمومين ثم القرعة في مثل هذا مختلف فيها فعند أهل الحجاز والشافعي يجوز استعمالها في مثله وعند أبي حنيفة وأصحابه هي منسوخة والواجب السعاية في ثلثي قيمتهم لورثة معتقهم استدلالا بالإجماع على ترك القرعة فيما هو في معنى العتق مثل هبة المريض ستمائة لستة رجال وتقبيضه إياها وكذا في دعوى النسب من ثلاثة نفرا دعوا ولد أمة وطئوها في طهر واحد روى أن عليا رضي الله عنه حكم في مثل هذه القضية بالقرعة ودفع الولد بها وبلغ صلى الله عليه وسلم حكمه فضحك حتى بدت نواجذه ففيه رضاه به منه ثم وجدنا عن علي أنه حكم في مثل هذه القضية بخلاف هذا الحكم فإنه أتاه رجلان وقعا على امرأة في طهر فقال: الولد بينكما.
قال الطحاوي: فاستحال بأن يكون علي يقضي بخلاف ما كان قضى به في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ولم ينكره إلا وقد اطلع على نسخ القرعة التي قضى بها أولا فما رجع إلا عن منسوخ قد كان عليه إلى ناسخ هذا فيما طريقه الأحكام وأما ما طريقه نفى الظنون وتطييب النفوس كإقراع النبي صلى الله عليه وسلم بين نسائه في السفر وكإقراع القاسم على السهام بعد تعديلها فهي مستحسنة غير منسوخة وغير واجبة والله أعلم.