الناس منزلا"؟ قلنا: بلى يا رسول الله قال: "رجل آخذ بعنان فرسه في سبيل الله حتى يقتل أو يموت وأخبركم بالذي يليه"؟ قلنا: نعم يا رسول الله قال: "رجل معتزل في شعب يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعتزل شرور الناس وأخبركم بشر الناس منزلا"؟ قلنا: نعم يا رسول الله قال: "الذي يسأل بالله عز وجل ولا يعطي به"، لا يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم: "المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم"، لأن قوله: "خير الناس" عام أريد به الخصوص يعني من خير الناس كقوله صلى الله عليه وسلم: "خير الناس من طال عمره وحسن عمله وخياركم من تعلم القرآن وعلمه"، وقال تعالى:{وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} ولم تؤت مما اختص الله تعالى به سليمان وكذا قوله: "أخبركم بالذي يليه" يحتمل أن المراد به من خير أهلها ويحتمل أن يكون بين المنزلتين منزلة فيكون من يخالط ويصبر أفضل ممن لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم باعتزاله شرورهم وانقطاعه عنهم ولعلها فوق المنزلة التي هي قبلها وتكون هذه تليها على حاله يؤيده حديث أبي ذر فيما تقدم في الثلاثة الذين يحبهم الله ذكر فيهم رجل له جار يؤذيه فيصبر على أذاه ويحتسبه حتى يفرج الله له منه أما بموت وأما بغيره فإذا نال هذه الدرجة بصبره على أذى رجل واحد فالذي بذل نفسه للناس ويصبر على أذاهم ويخالطهم بذلك أولى.
ويحتمل أن يكون المخالطة في وقت أفضل والاعتزال عن الناس في وقت آخر أفضل من المخالطة يؤيده حديث أبي ثعلبة الخشني سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} الآية فقال: "بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأى برأيه رأيت أمرا لابد منه فعليك نفسك إياك أمر العوام"، الحديث، فيكون اعتزال الناس أفضل من المخالطة فلا تضاد.
ومما يدل على صحة هذا التأويل ما روي من قوله صلى الله عليه وسلم: "أنها ستكون فتن تكون فتنة المضطجع فيها خير من القاعد والقاعد فيها خير من