وسلم عند المقام مع الجماعة فلما فرغ من صلاته أهوى بيده بينه وبين الكعبة كأنه يريد أن يأخذ شيئا بيده فقال:"هل رأيتموني حين قضيت الصلاة أهويت بيدي قبل الكعبة كأني أريد أن آخذ شيئا" قالوا: نعم يا نبي الله قال: "أن الجنة عرضت علي فرأيت فيها الأعاجيب والحسن والجمال فمرت بي خصلة من عنب فأعجبتني فأهويت إليها لآخذها فسبقتني ولو أخذتها لغرستها بين أظهركم حتى تأكلوا من فاكهة الجنة واعلموا أن العجوة من فاكهة الجنة".
فإن لو امتناع فدل على أنهم لم يأكلوا من فاكهة الجنة لأنه يحتمل أن مراده بأن العجوة من فاكهة الجنة عن الله تعالى أتحف بعض أوليائه بشيء من عجوة الجنة فأكل من ذلك وغرس نواة في الدنيا فكان عنه النخيل الذي منه العجوة وإن انتقلت عما كانت عليه ألا ترى أن النواة من الحجاز إذا غرس في غير الحجاز أعادتها الأرض المغروس فيها إلى ثمار كلها ويقال: أنها من الحجاز ويؤيده قوله: "لو أخذته لغرسته" أي لغرست نواة لأن العنقود لا يغرس حتى تأكلوا من ثمار الجنة ويحتمل أن يكون حتى تأكلوا من ثمار الجنة يريد العنب الذي في العنقود لا ما سواه وقوله: "العجوة من فاكهة الجنة" يقضي بصحة قول أبي يوسف ومحمد في أن الرطب من الفاكهة وكذا قوله صلى الله عليه وسلم جوابا لليهود يا محمد في الجنة فاكهة قال: "فيها فاكهة ونخل ورمان" لاستحالة إجابة من سأله عن الفاكهة بذكر ما سواها ولا وجه لمن حمل الآية على التأكيد من باب قوله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} لأن الحجة قامت في ذلك وفي {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوح} ولم تقم الحجة بمثل ذلك في الرطب أنه من الفاكهة.
وروى من تصبح كل يوم سبعا من عجوة العالية لم يضره ذلك اليوم سحر ولا سم وروي من ابتكر سبع تمرات ما بين لأبتي المدينة لم يضره ذلك اليوم سم حتى يمسي فيه أن المراد بالعجوة في الحديث عجوة في المدينة لا ما سواها من جنس