الزكاة ونصوم عاشوراء قبل أن ينزل رمضان فلما نزل رمضان ونزلت الزكاة لم نؤمر به ولم ننه عنه وكنا نفعله وخرج من طرق وذكر مثله في يوم عاشوراء عن ابن مسعود وعائشة وجابر وروى عن ابن عباس أنه كان يصام بخلاف ذلك قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود والنصارى يصومون يوم عاشوراء فسألهم فقالوا: هذا اليوم الذي أظهر الله فيه موسى على فرعون, فقال:"أنتم أولى بموسى منهم فصوموه". ففيه أنهم كانوا يصومون للشكر لا للفرض ويحتمل أنه كان للشكر ثم فرض عليهم فكانوا يصومونه للفرض ويدل عليه ما روى قتادة عن عبد الرحمن بن سلمة الخزاعي عن عمه قال: غدونا على رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة يوم عاشوراء وقد تغدينا فقال: "أصمتم هذا اليوم؟ " فقلنا: قد تغدينا قال: "فأتموا بقية يومكم".
وما روى عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم عاشوراء فعظم فيه أمره ثم قال لمن حوله:"من كان لم يطعم منكم فليصم يومه هذا ومن كان قد طعم فليصم بقية يومه" فدل هذا أنه كان حينئذ كشهر رمضان وإنما أمر يومئذ بالإمساك عن الأكل بقية اليوم ولم يؤمر بقضائه لأن الفرض كان لحقهم في يوم عاشوراء بعد ما دخلوا فيه وكان دخولهم فيه وهو غير مفروض عليهم دل عليه ما في حديث أبي سعيد الذي ذكرناه من تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره ومن أمره من كان حوله بصومه فكانوا كمن بلغ في رمضان أو أسلم فيه فيؤمر بصوم بقية يومه وإن كانوا قد أكلوا ولا يؤمرون بقضائه وأما ما في حديث قيس مما ذكرناه في زكاة الفطر فقد روى عن ابن عمر ما يخالفه قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر عن كل صغير وكبير وحر وعبد صاعا من شعير أو صاعا من تمر قال: فعدله الناس بمدين من حنطة وذكره من طرق في بعضها مكان أمر فرض بغير تعديل وفي بعضها ذكر التعديل وذلك لا يكون إلا مع بقاء فرضها فهو مخالف لما قاله قيس غير أنه يحتمل أنه كان فرضا واجبا كوجوب الصلوات الخمس وكوجوب زكاة المال في تكفير الجاحد فلما فرضت زكاة الأموال انتقل الفرض إليها وجعل الفرض في زكاة الفطر دونه حتى لو جحده لا يكفر كما كان قبل.