ما استدبرت ما سقت الهدي ولحللت مع الناس حين حلوا من العمرة", وهكذا كان أبو حنيفة وأصحابه والثوري يقولون في المتمتع بالعمرة إلى الحج أنه لا يحل بينهما إذا ساق الهدي حتى يحل منهما جميعا والحجازيون يخالفونهم في ذلك ولا يجعلون لسياقة الهدي في هذا المعنى ويقولون أن المتمتع بعد فراغه من عمرته يحل منهما سواء كان ساق هديا أو لم يسقه وليس لأحد أن يخرج عما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل بغير خصوصية في ذلك لأحد دون أحد وروى عنه أيضا أن عليا قدم على النبي صلى الله عليه وسلم من اليمن ومعه هدي فقال له: "ماذا قلت حين فرضت الحج؟ " قال: قلت: اللهم إني أهل بما أهل به رسولك قال: "فلا تحلل فإن معي هديا" وفيما روى عن أبي موسى قال قدمت على رسول الله صلى الله عليه وهو منيخ بالبطحاء فقال لي: "بما أهللت؟ " قلت: إهلالا كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قد أحسنت طف بالبيت وبين الصفا والمروة ثم أحل" إنما افترق أمرهما في الإحلال مع استوائهما في الإهلال لأن عليا كان معه هدي ولم يكن مع أبي موسى هدي والإهلال لا يوجب اللبث بين العمرة والحج حتى يكون الإحلال منهما معا إنما الذي يوجب ذلك الهدي الذي ساق لهما لا ما سواه وفي إهلال كل واحد منهما بمثل إهلال النبي صلى الله عليه وسلم وهو لا يعلم إن كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أحرم ولا بما به أحرم دليل على أن من أحرم كإحرام فلان دون أن يدري ما هو أنه يكون محرما كإحرامه ولا يضره جهله بذلك وأن من دخل في شيء قبل علمه بدخول وقته أو قبل علمه أن ما كان دخل فيه له قد كان أنه يرد إلى حقيقة ذلك الشيء فيجعل من دخل فيه على جهله كمن دخل فيه على علمه من ذلك من دخل في صلاة الظهر ولا يعلم أن الشمس قد زالت ثم علم أنها قد كانت زالت أن صلاته تجزئه كما تجزئه لو كان دخل فيها بعد علمه بدخول وقتها ومثل ذلك من دخل في صوم يوم على أنه يصومه من رمضان ولم يعلم أن الهلال قد رئى قبل ذلك أن الصوم يجزئه من رمضان كما كان أبو حنيفة وأصحابه يقولون في ذلك وبخلاف ما كان يقول مخالفهم فيه من أنه لا يجزئه حتى يعلم وجوب فرضه عليه قبل دخوله فيها وبالله التوفيق.