وذكره من طرق بألفاظ مختلفة ومعان متفقة منها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين رجلين من أصحابه فقتل أحدهما وعاش بعده الآخر ما شاء الله ثم مات فجعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعون له وكان منتهى دعائهم له أن يلحقه الله بأخيه الذي قتل قبله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيهما تقولون أفضل؟ " قالوا: الذي قتل قبل يا رسول الله قال: "أما تجعلون لصلاة هذا ولصيامه بعده وصدقته وعمله فضلا؟ لما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض" أشكل على بعض الناس معنى هذا الحديث وقال كيف يجوز أن يفضل من مات على فراشه من مات شهيدا قد روى "أن من رابط يوما وليلة في سبيل الله كان له أجر صيام شهر وقيامه ومن مات مرابطا جرى له مثل ذلك من الأجر وأجرى عليه الرزق وأمن الفتان وإن كل ميت يختم على عمله إلا المرابط في سبيل الله فإن عمله لينمو له إلى يوم القيامة ويؤمن من فتنة القبر".
ففيه فضل المرابط الذي مات ومن قتل مرابطا كان فوق من مات مرابطا وليس ذلك لمن مات غير مرابط لأنه ينقطع عمله بموته إلا من ثلاثة أشياء على ما روى في ذلك ولكن المعنى بين لان الرجلين المتواخيين هاجرا إلى الله ورسوله معافا قاما معه مهاجرين باذلين أنفسهما في الجهاد وغيره فاستويا في ذلك وإن كان قد فضله صاحبه بالشهادة فقد بذل هو نفسه لها ولعله قد تمناها وسألها وقد روى مرفوعا: "من سأل الله عز وجل الشهادة صادقا من قلبه بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه" وله من الفضل ما تفرد به من الأعمال الصالحة بعده فلا ينكر تجاوزه إياه في المنزلة واستحقاق سبقه إلى الجنة والله يؤتي فضله من يشاء.
قال القاضي: ولا تضاد بين ما روى من نمو عمل المرابط إلى يوم القيامة وبين ما روى من انقطاع العمل بالموت إلا من ثلاث لأن عمل المرابط بعينه هو الذي ينمو له بمعنى أنه يتوفر ثوابه له وهو عمل سبق موته لا عمل سواه يلحق به لم يتقدم موته وإنما كان منه سببه.