إلى خلافه إلا وقد ثبت نسخ ذلك عنده ويحتمل أن يكون نسخه عنده ما روى عن عائشة قالت: كان فيما أنزل من القرآن ثم سقط لا يرحم من الرضاع إلا عشر رضعات ثم نزل بعد أو خمس رضعات فثبت عنده سقوط ذلك من الأحكام بسقوطه من القرآن فإن قيل فقد روى عن غير عائشة وابن الزبير ما يوافق روايتهما وهو حديث أم الفضل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تحرم إلا ملاجة ولا إلا ملاجتان" قلنا: إن من علم شيئا أولى ممن قصر عنه فما وقف عليه عروة مما أوجب نسخ هذا الحديث حجة على رواته.
فإن قيل: فقد روي عن عائشة أن الخمس رضعات توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ من القرآن فالجواب أن هذا مما رواه عبد الله بن أبي بكر وقد خالفه في ذلك القاسم ويحيى وهما أولى بالحفظ منه لو استوى معهما فكيف وهما أعلى مرتبة في العلم والحفظ مع أنه محال لأنه يلزم أن يكون بقي من القرآن ما لم يجمعه الراشدون المهديون ولو جاز ذلك لاحتمل أن يكون ما أثبتوه فيه منسوخا وما قصروا عنه ناسخا فيرتفع فرض العمل به ونعوذ بالله من هذا القول وقائليه مع أن جلة الصحابة على التحريم بقليل الرضاع وكثيره منهم علي بن أبي طالب وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وروى أن ابن عمر سئل عن المصة والمصتين فقال: لا تصلح فقيل له إن ابن الزبير لا يرى بها بأسا فقال يقول الله تعالى: {وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} قضاء الله أحق من قضاء ابن الزبير ثم فقهاء الأمصار جميعا على هذا القول من أهل المدينة وأهل الكوفة إلا قليلا منهم وروى عن عقبة بن الحارث قال تزوجت بنت أبي إهاب فجاءت أمة سوداء فزعمت أنها أرضعتني وإياها فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأعرض عني ثم سألته فأعرض عني ثم سألته فأعرض عني ثم قال: "كيف بك وقد قيل ذلك" ونهاني عنها فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الكشف عن كمية إعداد الرضاع دليل على استواء القليل والكثير في الحرمة إذ لو كان المصة والمصتان لا تحرم لما نهاه حتى يعلم أن ذلك الرضاع يقع به التحريم أم لا.