أنه قد خولف في ذلك بين الأشياء المكيلات وبين الأشياء الموزونات المبيعات بأمثالها فلم تستعمل فيها القيم واستعمل فيها التساوي فيما هي عليه من كيل أو وزن فأجيز مع ذلك وأبطل إذا كان خلاف ذلك وقد روي عن ابن عباس قال: بيع التمر في رؤس النخل إذا كان فيه غيره دراهم أو دنانير لا بأس به ووجه ذلك أنه جعل التمر المبيع في رؤس النخل مبيعا بمثله من التمر الذي بيع به ولو راعى في ذلك استعمال قسمة الثمن على القيم لما جوز هذا البيع وفي تجويزه إياه ما قد دل على أنه لم يستعمل قسمة الثمن على القيم كما يستعملها في بيع العرضين اللذين بخلاف ذلك وإذا كان كذلك فيما ذكرنا كان مثله في المذهبين المتفاضلين المبيعين بذهب مساو لا يراعي فيه قسمة الثمن على القيم ولكن يراعى فيه التساوي في الوزن لا ما سواه.
لا يقال ما ذكر عن ابن عباس مستحيل لأنه يجيز الفاضل بين الفضتين يد أبيد محتجا بما روي عن أسامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنما الربا في النسيئة" لأنا نقول أن ابن عباس أرأيت الذي تقول الدينار أن بالدينار والد رهمان بالدرهم أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما" فقال ابن عباس: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: نعم قال: أني لم اسمع هذا إنما أخبرنيه أسامة قال أبو سعيد نزع عنه ابن عباس.
فإن قلت: كيف ساغ لابن عباس ترك ما حدثه أسامة وموضعه من الإسلام موضعه إلى ما حدثه غيره مما يجوز أن يكون ما حدثه أسامة ناسخا له؟ قلت: الربا الذي حرمه القرآن وجاء فيه الوعيد عليه هو الربا في النسيئة وهو ما كانوا يبتاعون من الآجال في الأموال بالأموال وكان ذلك ربا النسيئة في الميكلات والموزونات فوقف ابن عباس على أن الذي حدثه أبو سعيد كان في ربا غير ربا النسيئة بل في الربا الفضل فسار إليه وترك ما كان عليه قبل ذلك.