رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إذا اختلف المتبايعان وليست بينهما بينة فهو ما يقول رب السلعة أو يتتاركان" وقد ذكرت هذا الباب قبل هذا لأحمد ابن أبي عمران وقلت: له هل عندك فيه شيء يتصل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال لي: أما إن أجده منصوصا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ولكن الحجة قد قامت به من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اليمين على المدعى عليه" لأن المتبايعين إذا اختلفا في ثمن المبيع فقد ادعى كل واحد منهما بيعا بثمن غير البيع الذي ادعاه صاحبه بالثمن الذي ادعاه به فكانا بذلك متداعيين فوجب التحالف لينفي كل واحد منهما دعوى صاحبه ويكون المبيع بحاله بيد البائع بغير حجة قامت لأحدهما على صاحبه.
فإن قيل قد اتفقا على أن المبيع ملك المبتاع وإنما الاختلاف في الثمن فوجب أن يكون المبيع له ويلزم المشتري ما أقربه ويحلف على ما ينكره كرجل ادعى على رجل مالا فصدقه في بعضه وأنكر البعض.
قلنا: ليس الأمر كما ذكر لأن الاختلاف في الثمن موجب لاختلاف العقد الاترى إذا ادعى على آخر ألف درهم وخمسمائة فأنكر المدعى عليه فأقام شاهدا بألف وآخر بألف وخمسمائة يقضي بالألف التي اتفق الشاهد أن عليه ولو ادعى البيع بألف وخمسمائة فشهد أحدهما بألف والآخر بألف وخمسمائة لا يقضي بشيء فعقلنا بذلك افتراق الحكم في المسئلتين كما ذكرنا فغنينا بهذا عن طلب الإسناد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدعيين في الثمن المختلفين فيه وهو قول محمد بن الحسن وقد كان أبو حنيفة وأبو يوسف يذهبان إلى ما قال هذا القائل الذي احتججنا عليه وكانا يقولان إذا اختلفا في ثمن المبيع تحالفا وترادا إذا كان قائما وإذا كان فائتا فالقول قول المشتري لأن الذي يوجبه القياس أن يكون القول قول المشترى ولكنه ترك في القائم لمكان الحديث المروي وفي الفائت لم يوجد نص فأجرى على القياس قال ابن أبي عمران ولو لم يكن نص كان القياس يوجب ما قد روى عنه صلى الله عليه وسلم وإذا كان ذلك كذلك