رجل فأقام كل واحد منهما شاهدين أنها دابته فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم بينهما نصفين وهذا أولى لأن القضاء لا يكون إلا بالبينات ولا يكون بالأيدي المجردة وهذه مسألة مختلف فيها فذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى هذا الحديث وذهبت طائفة منهم إلى الإقراع بين المتداعيين في ذلك محتجين بحديث منقطع عن سعيد بن المسيب قال: اختصم رجلان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر فجاء كل واحد منهما بشاهدي عدل عدة واحدة فأسهم بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "اللهم أنت تقضي بينهما".
وذهبت طائفة منهم إلى أنه يقضي به لصاحب أزكى البينتين وأظهرهما ورعا وهو قول مالك وأهل المدينة ويجيء على قياس قولهم: إذا تكافأت البينتان أن يقضي بينهما وطائفة تقول: يقضي بينهما على عدد شهود كل واحد منهما فإن استووا في العدد يقضي بينهما بنصفين ولما اختلفوا في ذلك نظرنا فيه لنعلم الأولى مما قالوه فيه فوجدنا القرعة قد كانت في أول الإسلام فإن عليا أقرع بين النفر الثلاثة الذين وطئوا المرأة في طهر واحد فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذه ثم أنه ترك العمل بها بعد وفاته صلى الله عليه وسلم في رجلين ادعيا ولدا فقضى به بينهما وأنه للباقي منهما ولا يظن بعلي ترك الإقراع الذي حكم به واستحسنه النبي صلى الله عليه وسلم إلا لما هو أولى بالعمل فانتهى القضاء بالقرعة وانتسخ وكذلك وجدنا القضاء بأزكى البينتين مدفوعا بقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} و {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} حيث سوى النص بين العدل ومن فوقه في العدالة فانتفى هذا القول أيضا وكذلك القول بالحكم بعدد الشهود لا معنى له لأن الشاهدين العدلين لما جاز الحكم بهما عقلنا أنهما كأكثر منهما من العدد ولما انتفت هذه إلا قوال الثلثة ثبت القول الرابع ولم يجز الخروج عنه إذ لم يوجد لأهل العلم في ذلك غير هذه الأقوال الأربعة كيف وقد روى عن أبي الدرداء أنه اختصم إليه رجلان في فرس فأقام كل واحد مهما البينة أنه فرسه انتجه لم يبعه ولم يهبه فقال أبو الدرداء: أن أحدكما