ما استثنى في كتاب الله وهو المحدود في القذف فألزمه الفسق الذي اتصف به بخلاف سائر أنواع الفسق ثم أعقب ذلك بقوله:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا} الآية واختلف أهل العلم في قبول شهادتهم بعد التوبة فقبله بعضهم لزوال الفسق وهو مذهب مالك والشافعي وأهل الحجاز ولم يقبله أبو حنيفة وأصحابه والثوري وإن زال الفسق بالتوبة احتج القابل بما روى عن ابن المسيب عن عمرانه قال لأبي بكرة: إن تبت قبلت شهادتك أو تب تقبل شهادتك وعنه أن عمر جلد الثلاثة لما نكل الرابع وهو زياد وكانوا شهدوا على المغيرة فاستتابهم فتاب إثنان وأبي أبو بكرة فكان تقبل شهادتهما ولا تقبل شهادة أبي بكرة لأنه أبي أن يتوب وكان مثل النضو من العبادة.
وجوابه أن ابن المسيب لم يأخذه عن عمر إلا بلاغا لأنه لم يصح سماع عنه وروى عن ابن المسيب أنه كان يذهب إلى خلافه روى قتادة عنه وعن الحسن أنهما قالا القاذف إذا تاب فيما بينه وبين ربه لا تقبل شهادته ويستحيل أن يصح عنده عن عمر القبول ثم يتركه إلى خلافه وكذا روى عن شريح قبول التوبة وعدم قبول الشهادة.
قال الطحاوي: ولما كانت شهادته بعد القذف قبل الحد مقبولة وبعد الحد الذي هو طهارة له إن كان كاذبا مردودة وكانت التوبة بعد ذلك أنما هي من القذف الذي لم ترد شهادته به وإنما ردت بغيره وهو الجلد. وجب أن تكون شهادته مردودة بعد الحد تاب أو لم يتب لأن التوبة لا تأثير لها في الحد الذي هو علة عدم القبول لأنه من فعل غيره لا من فعله والتوبة إنما تكون من أقواله وأفعاله واثر التوبة إنما هو في القذف الذي ليس بعلة ففي هذا دليل واضح على صحة قول من ذهب إلى رد الشهادة بعد التوبة والله أعلم.