لنا منها هدية". ووجهه أن الصدقة خرجت من ملك المتصدق على بريرة فجاز خروجها من ملكها إلى من تحرم عليه الصدقة بالهدية وبهذا استدل قوم على إباحة الصدقة للهاشمي بطريق العمالة لأنه لا يأخذ منها ما يأخذه إلا بعمله عليها لا بصدقة أهلها به عليه وهو قول أبي يوسف قياسا على الغنى وكرهه غيره لأن الصدقة تخرج من ملك ربها إلى مستحقها وفيهم العاملون علها ولا يحل لهم أن يأخذوها جعلا على عملهم وأنا تركنا القيام في ذلك للسنة روى عن علي قال: قلت للعباس: سل النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعملك على الصدقة فسأله فقال: "ما كنت لأستعملك على غسالة ذنوب الناس" فعلم بذلك إنما كره استعماله رفعا لرتبته أن يكون عاملا على الغسالة لا لحرمتها عليه كما روى ابن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى الله عليه وسلم بعث رجلا من بني مخزوم على الصدقة فقال لأبي رافع: أصحبني كما تصيب منها فقال: حتى اسأل النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال: "أن آل محمد لا تحل لهم الصدقة وإن مولى القوم من أنفسهم" وذلك على التنزه منه لبني هاشم ولمواليهم لا على أنهم لو عملوا لحرم عليهم ما يأخذونه منها كما لا يحرم على الغني العام إذ لم يرد أبو رافع أن يصيب من الصدقة إلا ما تكون عمالته منها وقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة: "خذيها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق" لا يجوز أن يبيح لعائشة أن تشترط خلاف ما في شريعته ولكن لم يوجد اشتراط الولاء في حديث عائشة إلا من رواية مالك عن هشام فأما من سواه وهو الليث ابن سعد وعمرو بن الحارث فقد رويا عن هشام أن السؤال لولاء بريرة إنما كان من عائشة لأهلها بأداء مكاتبتها إليهم فقال صلى الله عليه وسلم: "لا يمنعك ذلك منها ابتاعي وأعتقي فإنما الولاء لمن أعتق" وهذا خلاف ما رواه مالك عن هشام خذيها واشترطي فإنما الولاء لمن أعتق مع أنه يحتمل أن يكون معنى اشترطي أظهري لأن الاشتراط في كلام العرب هو الإظهار ومنه قول أوس بن حجر.