للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في خطبته: "ألا أن قتيل خطأ العمد بالسوط والعصا والحجر فيه دية مغلظة مائة من الإبل منها أربعون خلفة في بطونها أولادها " فيه أنه صلى الله عليه وسلم لم يجعل فيه قودا كما ذهب إليه الحجازيون فإنهم يقولون: القتل أما خطأ وأما عمد لا ثالث لهما والحق أنه عمد وفيه القود وخطأ وفيه الدية على العاقلة وشبه عمد وفيه الدية المذكورة في هذا الحديث غير أن الكوفيين اختلفوا في الحجر الثقيل الذي مثله يقتل فعند أبي حنيفة فيه الدية مغلظة وقال طائفة: فيه القود بالسيف وقال: الحجر المذكور في الحديث الذي لا يقتل مثله من جنس السوط والعصا وكذلك السوط والعصا أن كرر الضرب به حتى يكون الضرب في جملته موهوما منه القتل كان عمدا وهو قول أبي يوسف ومحمد بن الحسن والقياس معهما فإن القاتل بالحجر الثقيل مأثوم كالقاتل بالسيف فكذا عليه القود بخلاف القاتل بالعصا والحجر الذي لا يقتل مثلهما فإنه لا يأثم ذلك الإثم فلا يجب عليه القود ففيه الدية مغلظة، واختلف في الدية المغلظة ما هي فكان أبو حنيفة وأبو يوسف يقولان هي مائة من الإبل خمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون بنات لبون ومثلها حقاق ومثلها جذعة وقال محمد: ثلاثون جذعة ومثلها حقة وأربعون خلفة في بطونها أولادها وهذا أولى لموافقة قائلية ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مما قد ذكرناه فأما ما دون النفس فلا اختلاف بين أهل العلم فيه أنه وجهان: خطأ وعمد لا شبه عمد وقد روى مرفوعا ما يدل على مذهب الكوفيين وهو ما روي عن أنس بن مالك أن عمته الربيع لطمت جارية فكسرت ثنيتها فطلبوا إليهم العفو فأبوا والأرش فأبوا الا القصاص فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بالقصاص فقال أنس بن النضر: أتكسر ثنية الربيع لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أنس كتاب الله القصاص" فرضي القوم فعفوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن من عباد الله من لو أقسم على الله لا بره" واللطمة لو كانت في النفس لم يكن فيها قود فالحديثان يدلان على أن في النفس شبه عمد لا قود فيه وما دون النفس ليس فيه شبه عمدا إنما هو عمدا وخطأ لا ثالث لهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>