وقوله فقود يده يعني الواجب للولي القود لا سواه ولا يخالف هذا حديث أبي هريرة قال لما فتح الله مكة على رسوله صلى الله عليه وسلم قتلت هذيل رجلا من بني ليث بقتيل كان لهم في الجاهلية فقال صلى الله عليه وسلم في خطبته:"من قتل له قتيل فهو بخير النظرين أما أن يقتل وأما أن يؤدي" لأن الذي في حديث ابن عباس من إيجاب القود مثله في حديث أبي هريرة وما زاد فيه من قوله: وأما أن يؤدي هو عندنا على أداء القاتل من غير جبر بطريق الصلح وكذلك رواية من روى وأهله بين خيرتين أن يأخذوا العقل وبين أن يقتلوا يعني أن القاتل أن بذل لهم الدية كانوا مخيرين بين أن يأخذوها وبين أن يقتلوا فعلى هذا ينتفي التضاد بين الآثار والمسألة مختلف فيها فطائفة يقولون بهذا القول الذي صححنا وهو مذهب أهل الحجاز والعراق وطائفة يقولون: أن لولى القتيل أن يأخذ الدية من القاتل شاء أو أبى وممن يقوله الشافعي والأوزاعي وقالوا: وعلى القاتل استحياء نفسه فإذا لم يفعل أخذ به.
قلنا: عليه ذلك ديانة إلا أنه لا يجبر عليه بدليل إجماعهم أن ولي المقتول لو طلب دار القاتل أو عبده لا يجبر على ذلك وإن كان واجبا عليه أن يفعله ويدفع القود عن نفسه ولأن الشريعة كانت في بني إسرائيل في العمد القود خاصة فخفف الله تعالى وأباح الصلح على دفع القود كذا فسر ابن عباس قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} إلى قوله: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} قال: العفو أن يقبل الدية في العمد {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} فمن أجله خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة بما خطب به وما عاد إلى التخفيف والرخصة لم يكن مأخوذ إلا بطيب نفسه لا جبرا خلافا لمن قال: رأيت الله عز وجل أوجب في الخط الدية وأوجب في العمد ما هو أغلظ منها وهو القود فإذا اختار الولي ترك الأغلظ وأخذ الأيسر كان قد نزل عن الواجب له إلى ما دونه وهو الدية فله أن يأخذه شاء أو أبى وقيل العفو من الولي يوجب الدية على الذي عليه القصاص والقولان فاسدان لأن الله تعالى أوجب في العمد