وأنجاكم من آل فرعون ما تجدون في التوارة في شأن الرجم"؟ فقال أحدهما للآخر: ما نشدت بمثله قط ثم قالا: نجد أن النظر زنية والاعتناق زنية والقبلة زنية فإذا شهد أربعة أنهم رأوه يبدئى ويعيد كما يدخل الميل في المكحله فقد وجب الرجم فقال صلى الله عليه وسلم: "هو ذاك" فأمر به فرجم ونزلت {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} الآية، قيل: أنها محكمة غير منسوخة والنبي صلى الله عليه وسلم إنما رجم اليهودي باختياره أن يرجمه وكان له أن لا يرجمه لقوله: {أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} أي: فلا تحكم عليهم وخالفهم آخرون فقالوا: هي منسوخة لقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} .
روي عن ابن عباس قال: نسخت من المائدة آيتان: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} فردهم إلى أحكامهم فنزلت: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} قال: فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحكم بينهم على كتبانا وحكم من بعده صلى الله عليه وسلم في ذلك كحكم النبي صلى الله عليه وسلم فإن قلنا: بأنها منسوخة فالحكم بينهم مفترض واجب وإن لم نقل بذلك فالحكم بينهم هو الأولى من الإعراض عنهم لأنه إذا حكم بينهم فقد سلم على القولين لأنه فعل الواجب أو الجائز وإن لم يحكم بينهم فقد ترك فرضا واجبا عليه في أحد القولين فالأولى به أن يفعل وقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} يحتمل معناه أن تحاكموا إليك ويحتمل إن وقفت على ما يوجب لك الحكم عليهم وإن لم يتحاكموا إليك وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر عليه بيهودي قد حمم وجهه وقد ضرب يطاف به فقال صلى الله عليه وسلم: "ما شأن هذا"؟ فقالوا: زنى قال: "فما تجدون في كتابكم"؟ قال: يحمم وجهه ويعزر ويطاف به فقال: "أنشدكم بالله ما تجدون حده في كتابكم"؟ فأشاروا إلى رجل منهم فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الرجل نجد في التوراة الرجم ولكنه كثر في إشرافنا فكرهنا أن نقيم الحد على سفلتنا وندع أشرافنا فصطلحنا على شيء فوضعنا هذا فرجمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "أنا أولى بإحياء ما أماتوا من أمر الله